حرية عقيدة القاضي الجنائي .. عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها الا عن الأدلة ذات الاثر في تكوين عقيدتها

 فى التقرير التالى، يلقى “الناس و القانون” الضوء على ” حرية عقيدة القاضي الجنائي”  ، حيث أنه من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وأن إغفالها بعض الوقائع ما يفيد ضمناً إطراحها لها اطمئناناً إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التى اعتمدت عليها في حكمها ، وكان الحكم قد بنى قضاءه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التى قام عليها ولم يعول على أى دليل مستمد من تقارير لجنة الخبراء الخماسية ، ومن ثم فإنه لا يعيبه من بعد إغفاله الإشارة إليها بفرض إيداعها متضمنه ما زعمته الطاعنات طالما أنها لم تكن بذى أثر في تكوين عقيدة المحكمة ، مما يضحى معه منعى الطاعنات في هذا الشأن غير سديد … بقلم “أشرف فؤاد” المحامي بالنقض والادارية العليا.

الحكم

بسم الله الرحمن الرحيم

باسم الشعب

محكمة النقـــض

الدائــرة الجنائيـــة

الطعن رقم ٢٩٥٩٨ لسنة ٨٤ قضائية

الطعن رقم 29598 لسنة 84 قضائية

جلسة ٢٠١٦/١١/٠٩

العنوان : 

اثبات “بوجه عام “. حكم” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل ” .

الموجز : 

عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها الا عن الأدلة ذات الاثر في تكوين عقيدتها . أغفالها بعض الوقائع . مفاده : اطراحها.

القاعدة : 

لما كان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وأن إغفالها بعض الوقائع ما يفيد ضمناً إطراحها لها اطمئناناً إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التى اعتمدت عليها في حكمها ، وكان الحكم قد بنى قضاءه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التى قام عليها ولم يعول على أى دليل مستمد من تقارير لجنة الخبراء الخماسية ، ومن ثم فإنه لا يعيبه من بعد إغفاله الإشارة إليها بفرض إيداعها متضمنه ما زعمته الطاعنات طالما أنها لم تكن بذى أثر في تكوين عقيدة المحكمة ، مما يضحى معه منعى الطاعنات في هذا الشأن غير سديد .

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً .

من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر فى القانون .

أسباب الطعن بالنقض : القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع

ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي الضرب المفضي إلى الموت وحيازة وإحراز سلاح أبيض بغير ضرورة شخصية أو مهنية أو حرفية وألزمهما بالتعويض ، قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأن لم يحط بواقعة الدعوى وأدلتها ، والتفت عن دفاعهما بانتفاء القصد الجنائي لديهما بدلالة وجود إصابة واحدة بالمجني عليه هي التي أودت بحياته ، كما رد على دفعهما بأنهما كانا فى حالة دفاع شرعي بما لا يصلح رداً ، وتساند فى إدانتهما إلى أقوال والدة المجني عليه رغم تمسكهما بتناقض أقوالها بمحضر الاستدلالات عنها بتحقيقات النيابة العامة ، كما أغفل دفاعهما القائم على أن الضابط شاهد الإثبات الثاني قد أورد فى تحرياته أن المجني عليه من أرباب السوابق وأنه استولى على بعض الأخشاب التي تخص الطاعن الأول وأن حضورهما لمكان الواقعة كان بناءً على اتفاق مسبق لجلسة عرفية وأن المجني عليه هو من تربص بهما وتعدى عليهما وأحدث ما بهما من إصابات أثبتتها التقارير الطبية المرفقة بأوراق الدعوى وهو أيضاً ما قرره الشاهد أحمد إسماعيل أحمد الذي التفتت أيضاً المحكمة عن أقواله ، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات ومما ثبت من التقرير الطبي الشرعي للمجني عليه وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات ومما ثبت من التقرير الطبي الشرعي للمجني عليه وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان ما أورده الحكم كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كما هو الحال فى الدعوى فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين فى هذا الشأن يكون ولا محل له .

يعتبر  الشخص فاعلاً أصلياً فى الجريمة أن يساهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الجاني يسأل بصفته فاعلاً فى جريمة الضرب المفضي إلى الموت إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت فى ذلك أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على ضرب المجني عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاً للغرض الذي اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها ، وكان من المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي فى الواقع أكثر من تقابل إرادة كل من المساهمين ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين ، ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين هو الغاية النهائية من الجريمة ، أي أن يكون كل منهم قصد قصد الآخر فى إيقاع الجريمة المعنية وأسهم فعلاً بدور فى تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة .

وأنه يكفي من صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً فى الجريمة أن يساهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها ، وكان ما أورده الحكم فى بيان واقعة الدعوى وما ساقه من أدلة الثبوت فيها كافياً بذاته للتدليل على اتفاق الطاعنين على ارتكاب الجريمة من معيتهما فى الزمان والمكان ونوع الصلة بينهما وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههما وجهة واحدة فى تنفيذها وأن كلاً منهما قصد قصد الآخر فى إيقاعها وقارف أفعالاً من الأفعال المكونة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت ، فإن ما انتهى إليه الحكم من ترتيب التضامن فى المسئولية بينهما واعتبارهما فاعلين أصليين لجريمة الضرب المفضي إلى الموت طبقاً لنص المادة ٣٩ من قانون العقوبات يكون سديداً .

رد الحكم علي الدفع بتوافر حالة الدفاع الشرعي

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعنين بقيام حالة الدفاع الشرعي عن نفسهما واطرحه بقوله : ” وحيث إنه عن القول بأن المتهمين ارتكبا فعلتيهما لرد إعتداء المجني عليه فإن ظروف الحادث لا ترشح للذهن أن المتهمين كانا فى حالة دفاع شرعي عن النفس لأن التحقيقات التي حصلت فى الدعوى وجميع ظروفها تدل على أن المتهمين إعتديا على المجني عليه عمداً لا لدرء خطر حال أو فعل يتخوف أن يحدث موتهما أو جراحاً بالغة بهما بل مبعثه هو الانتقام من المجني عليه ، ولما هو مقرر أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة معتدى على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء والاستمرار فيه ولما هو ثابت من أقوال الشاهدة الأولى من أنه حال شروع المجني عليه بالاتصال بوالده قام المتهم الأول بتوثيق ذراعيه خلف ظهره وشل مقاومته فى حين عاجله المتهم الثاني بطعنه فى صدره سقط على إثرها أرضاً بما مفاده أن المتهمين قصدا الاعتداء على المجني عليه وإيقاع الأذى به وهو ما لا تتوافر فيه حالة الدفاع الشرعي ” .

تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق “موضوعي” 

وكان تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى ، لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب عليها مادام استدلالها سليماً يؤدي إلى ما انتهت إليه ، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه رداً على هذا الدفع كافياً وسائغاً فى اطراحه ، فإن النعي عليه فى هذا الخصوص ، لا يعدو أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين ، تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت فى وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح ، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .

قناعة القاضي

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العبرة فى المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جريمة الضرب المفضي إلى الموت طريقاً خاصاً فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.

وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف

كما أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق ، كما أن من المقرر فى أصول الاستدلال أن المحكمة لا تورد من الأدلة وأقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه وفي إغفالها بعض الوقائع يفيد ضمناً أنها اطرحتها ولم تعول عليها فى حكمها لأنها وقائع يريد الطاعن لها معنى لم تسايره فيه المحكمة ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعة إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهاداتهم فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن تناقض الشهود وتضاربهم فى أقوالهم أو مع أقوال غيرهم على فرض صحته لا يعيب الحكم مادامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه كما هو الحال فى الدعوى المطروحة وكانت المحكمة قد عرضت لدفاع الطاعنين بتناقض أقوال والدة المجني عليه وردت على ما أثير بشأنها رداً سائغاً ، كما أنه لا يقدح فى سلامة الحكم عدم تحدثه عن الإصابات التي يقول الطاعنان أن المجني عليه أحدثها بهما ، فإن كافة ما ينعيانه على الحكم بصدد ما تقدم يكون غير قويم .

لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

الحكم

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه .

أمين السر                     رئيس الدائرة