هل يلزم حضور المتهم بشخصه في الجنح المعاقب عليها بالحبس الذي يوجب القانون تنفيذ الحكم الصادر فيها فور صدوره؟

(١) نصت المادة 237 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يجب على المتهم في جنحة معاقب عليها بالحبس الذي يوجب القانون تنفيذه فور صدور الحكم به أن يحضر بنفسه، وإذا لم يكن للمتهم الحاضر في جنحة معاقب عليها بالحبس وجوباً محام، وجب على المحكمة أن تندب له محامياً للدفاع عنه. أما في الجنح الأخرى وفي المخالفات فيجوز له أن ينيب عنه وكيلاً لتقديم دفاعه، وهذا مع عدم الإخلال بما للمحكمة من الحق في أن تأمر بحضوره شخصياً. وبينت المادة 463 من قانون الإجراءات الجنائية هذه الجنح بقولها الأحكام الصادرة بالغرامة والمصاريف تكون واجبة التنفيذ فورا، ولو مع حصول استئنافها، وكذلك الأحكام الصادرة بالحبس في سرقة أو على متهم عائد، أو ليس له محل إقامة ثابت بمصر، وكذلك الحال في الأحوال الأخرى إذا كان الحكم صادراً بالحبس، إلا إذا قدم المتهم كفالة بأنه إذا لم يستأنف الحكم لا يفر من تنفيذه عند انقضاء مواعيد الاستئناف، وأنه إذا استأنفه يحضر في الجلسة ولا يفر من تنفيذ الحكم الذي يصدر. وكل حكم صادر بعقوبة الحبس في هذه الأحوال يعين فيه المبلغ الذي يجب تقديم الكفالة به. وإذا كان المتهم محبوساً حبساً احتياطياً، يجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ الحكم تنفيذاً مؤقتاً.
(٢) ومقتضى ذلك أن المتهم المقدم أمام محكمة الجنح في جريمة سرقة بسيطه لا يجوز أن ينيب في الحضور محام نيابة عنه وإنما يلزم أن يحضر بشخصه الجلسة رفقه محاميه ولا يقبل حضور المحامي بمفرده وكذلك الشأن في جنح المخدرات وكافة الجنح المستأنفة ولو كان الحكم المستائنف صادر بالبراءة لأنها أحكام الحبس التي تصدر منها تكون واجبه التنفيذ فورا.
(٣) هذا وكان قد صدر القانوني رقم ١١لسنة ٢٠١٧ الذي أجاز للمتهم بجناية أن ينيب عنه في الحضور أمام محكمة الجنايات محام يدافع عنه بوكالة خاصة ونص على ذلك في المادة 384 من قانون الإجراءات الجنائية وتعجب البعض من سياسة المشرع وتسأل كيف يسمح القانون رقم 11لسنه 2017 في المادة 384 للمتهم بجناية كسرقة بإكراه أن يتخلف عن الحضور وينيب عنه محام ويحظر ذلك على متهم بجنحة سرقة في المادة 237 إجراءات؟ أليس ذلك شذوذ في القانون؟أليس ذلك إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون المخالف للدستور؟بل وأحالت أكثر من محكمة جنايات الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا.
(٤) والواقع أنه منذ صدور القانون رقم 11لسنه 2017 بشأن التمثيل القانوني للمتهم بجناية في المحاكمة إلا ويسجل الواقع العملي يوميا في ساحات المحاكم مشاكل بشأن تطبيقه إذ لم يتخيل بعض المنكرين للتمثيل القانوني جريان محاكمة متهم بجناية دون حضوره بجسده مكبل بالأغلال ووضعه قفص الاتهام كمدان ذليل يلتمس العفو والرحمة ودون أدنى اعتبار لأصل البراءة المفترض فيه. وحينما ضاق ذرع بعض القضاة والمحامين بهذا القانون أعلنوا عدم دستورية.
(٥) والحقيقة أنه أن كان هناك وجه لعدم الدستورية فإنه ينصرف إلى المادة 237 وليس المادة 384 لأن الأصل حضور المتهم إجراءات المحاكمة بنفسه أو أن ينيب عنه محام فهو حر إذ قد يخشى حضور محاكمة بشخصه لأ يؤمن عواقبها فيفضل أن يمكث وينيب عنه محام بتقديم دفاعة وكأنه حاضر أى أن الحكم يكون حضوريا وهو ما رعاه المشرع فى القانون رقم 11لسنة 2017 حين عدل المادتين 348و395 من قانون الإجراءات الجنائية فاجاز للمتهم بجناية أن ينيب عنه محام لتقديم دفاعة تفاديا للأحكام الغيابية.
ولكن فات المشرع تعديل المادة 237إجراءات جنائية التى تلزم المتهم بجنحة يجب تنفيذ الحكم فيها فور صدورة أن يحضر بشخصه فظهر تناقض واخلال بمبدأ المساواة أمام القانون فى المادة 237 لأنها حرمت المتهم فى تلك الجنح أن ينيب عنه محام حال أن تلك الانابة جائزة فى الجنايات ولا سبيل من تفادى عدم دستورية المادة 237 إلا إذا قررنا أن تلك المادة قد نسخت ضمنا بالقانون رقم 11لسنه 2017 الذى اجاز في المادة 384 إجراءات التمثيل القانوني للمتهم في الجنايات إذ وقد سمح هذا القانون للمتهم بجناية أن ينيب في الحضور عنه محام فإنه أجاز من باب أولى للمتهم بجنحة سرقة أو أى جنحة أخرى أن ينيب عنه محام دون لزوم حضوره بشخصه وذلك وفقا لدلالة المناط.
إذ من المقرر أن النص فيما جاء به أحكام حجه بما ثبت من أحد دلالاته. ومن بين دلالة النص ما يسمى مفهوم الموافقة أو دلالة المناط وحاصلها أنه إذ كانت عبارة النص تدل على حكم في واقعة اقتضته ووجدت أخرى مساوية لها في علة الحكم أو أولى منها بحيث يمكن فهم هذه المساواة أو الأولوية بمجرد فهم اللغة من غير حاجة إلى اجتهاد أو رأى فإنه يفهم من ذلك أن النص يتناول الواقعتين وأن حكمه يثبت لهما لتوافقهما في العلة سواء كانت مساوياً أو أولى ويسمى مفهوم الموافقة أو المفهوم من باب أولى أو دلالة المناط(د. ياسر الأمير فاروق-تفسير الإجراءات الجنائية في ضوء قواعد أصول الفقه-دار النهضة العربية-٢٠١٥-ص١٦٩؛ الطعن رقم 17246 لسنة 75ق جلسة 2015/11/22؛ الطعن رقم 5052 لسنة 85 جلسة 2017/03/14).
كما أنه من المقرر كذلك أن نسخ النصوص التشريعية قد يكون صريحا أو ضمنيا وهو ما يجب أن تراعيه المحاكم بعد أن الغي نص المادة 237 إجراءات.