الْفسْخ   في سياق التقرير التالي تلقي « الناس والقانون » الضوء علي  «قواعد وأحكامه الفسخ في ضوء وإطار الفقه الإسلامي » حيث يعرف الْفسْخ لغةً : النّقْض، يقال فسخ الشّيْء يفْسخه فسْخًا فانْفسخ أيْ: نقضه فانْتقض، وتفاسخت الأْقاويل: تناقضتْ، ويطْلق اصْطلاحًا على حلّ ارْتباط الْعقْد والتّصرّف وقلْب كلّ واحدٍ من الْعوضيْن لصاحبه.… بقلم « أشرف فؤاد » المحامي بالنقض.

قواعد وأحكام الْفسْخ في ضوء وإطار الفقه الإسلامي
قواعد وأحكام الْفسْخ في ضوء وإطار الفقه الإسلامي

القواعد والأحكامه المنظمة لــ الفسْخ  في ضوء أحكام الفقه الإسلامي

معني الْفسْخ

الْفسْخ لغةً : النّقْض، يقال فسخ الشّيْء يفْسخه فسْخًا فانْفسخ أيْ: نقضه فانْتقض، وتفاسخت الأْقاويل: تناقضتْ، ويطْلق اصْطلاحًا على حلّ ارْتباط الْعقْد والتّصرّف وقلْب كلّ واحدٍ من الْعوضيْن لصاحبه.

وهو بهذا يكون فيه معْنى الإْلْغاء والإْبْطال وقدْ يعبّر الْفقهاء في الْمسْألة الْواحدة تارةً بالإْلْغاء والإْبْطال، وتارةً بالْفسْخ. غيْر أنّ الْفسْخ غالبًا ما يكون في الْعقود، ويقلّ في الْعبادات، ومنْه: فسْخ الْحجّ إلى الْعمْرة، وفسْخ نيّة الْفرْض إلى النّفْل، غيْر أنّه يكون في الْعقود قبْل تمامها، وعنْد تمامها بشروطٍ مثْل خيار الشّرْط وخيار الرّؤْية وخيار الْعيْب والإْقالة

الْحكْم الإْجْماليّ في الفسْخ :

أجاز الْعلماء إلْغاء التّصرّفات والْعقود غيْر اللاّزمة منْ جانب الْعاقديْن، أمّا في الْعقود اللاّزمة منْ جانبٍ واحدٍ فإنّه يصحّ الإْلْغاء من الْجانب الآْخر غيْر الْملْتزم به كالْوصيّة.

وأمّا في الْعقود والتّصرّفات الْملْزمة فلا يرد عليْها الإْلْغاء بعْد نفاذها إلاّ برضا الْعاقديْن، كما في الإْقالة، أوْ بوجود سببٍ مانعٍ من اسْتمْرار الْعقْد كظهور الرّضاع بيْن الزّوْج والزّوْجة، وقدْ يكون هنا الإْلْغاء بمعْنى الْفسْخ.

انْفِسَاخٌ

التَّعْرِيفُ:

1 – الاِنْفِسَاخُ:

مَصْدَرُ انْفَسَخَ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَسَخَ، وَمِنْ مَعْنَاهُ: النَّقْضُ وَالزَّوَالُ. يُقَالُ: فَسَخْتُ الشَّيْءَ فَانْفَسَخَ أَيْ: نَقَضْتُهُ فَانْتَقَضَ، وَفَسَخْتُ الْعَقْدَ أَيْ: رَفَعْتُهُ.

وَالاِنْفِسَاخُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ انْحِلاَلُ الْعَقْدِ إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِإِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ بِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا.

وَقَدْ يَكُونُ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُطَاوِعٌ لِلْفَسْخِ وَنَتِيجَةٌ لَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ – الإْقَالَةُ:

 الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ، عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، وَفِي الشَّرْعِ: رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهَا فَسْخًا أَوْ عَقْدًا جَدِيدًا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقَالَةٌ).

ب – الاِنْتِهَاءُ:

 انْتِهَاءُ الشَّيْءِ: بُلُوغُهُ أَقْصَى مَدَاهُ، وَانْتَهَى الأْمْرُ: بَلَغَ النِّهَايَةَ. وَانْتِهَاءُ الْعَقْدِ: مَعْنَاهُ بُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، وَهَذَا يَكُونُ بِتَمَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالاِسْتِئْجَارِ لأِدَاءِ  عَمَلٍ فَأَتَمَّهُ الأْجِيرُ، أَوِ الْقَضَاءُ مُدَّةَ الْعَقْدِ كَاسْتِئْجَارِ مَسْكَنٍ أَوْ أَرْضٍ لِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَانْتِهَاءِ عَقْدِ الزَّوَاجِ بِالْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الاِنْفِسَاخِ وَالاِنْتِهَاءِ، أَنَّ الاِنْفِسَاخَ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، وَيَكُونُ فِي عُقُودِ الْمُدَّةِ قَبْلَ

نِهَايَتِهَا أَيْضًا، بِخِلاَفِ الاِنْتِهَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَعْمِلُ الاِنْفِسَاخَ مَكَانَ الاِنْتِهَاءِ وَبِالْعَكْسِ.

ج – الْبُطْلاَنُ:

الْبُطْلاَنُ لُغَةً: فَسَادُ الشَّيْءِ وَزَوَالُهُ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى: النَّقْضِ وَالسُّقُوطِ. وَالْبُطْلاَنُ يَطْرَأُ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ إِذَا وُجِدَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَيُرَادِفُ الْفَسَادَ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ فِي الْحَجِّ.

أَمَّا فِي الْعُقُودِ فَالْبَاطِلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لاَ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، بِأَنْ فَقَدَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِيَّةِ أَوِ الضَّمَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

وَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ الاِنْفِسَاخُ عَن الْبُطْلاَنِ، بِأَنَّ الاِنْفِسَاخَ يَرِدُ عَلَى الْمُعَامَلاَتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ، وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ قَبْلَ الاِنْفِسَاخِ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ شَرْعِيٍّ، بِخِلاَفِ الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ الْبَاطِلَ فِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ لاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، وَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ.

د – الْفَسَادُ:

الْفَسَادُ نَقِيضُ الصَّلاَحِ، وَفَسَادُ الْعِبَادَةِ بُطْلاَنُهَا إِلاَّ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَجِّ كَمَا سَبَقَ، وَالْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَيُطْلَقُ الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عَلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ.

وَالْفَاسِدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الأْحْكَامِ، فَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَهُمْ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَفَادَ الْمِلْكَ، وَلَكِنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ، يَجِبُ فَسْخُ الْعَقْدِ مَا دَامَتِ الْعَيْنُ قَائِمَةً، لِحَقِّ الشَّارِعِ.

فالْعَقْدُ الْفَاسِدُ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ، لَكِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، يَجِبُ شَرْعًا فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ.

هـ – الْفَسْخُ:

 الْفَسْخُ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا يَكُونُ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، فَهُوَ عَمَلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَالِبًا، أَوْ فِعْلُ الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ  كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ.

فالاِنْفِسَاخُ: فَهُوَ انْحِلاَلُ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، أَوْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ غَيْرِ اخْتِيَارِيَّةٍ. فَإِذَا كَانَ الاِنْحِلاَلُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ كَانَتِ الْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةَ السَّبَبِ بِالْمُسَبَّبِ، كَمَا إِذَا فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَقْدَ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ مَثَلاً، فَالاِنْفِسَاخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَتِيجَةُ الْفَسْخِ الَّذِي مَارَسَهُ الْعَاقِدُ اخْتِيَارًا.

الْقَرَافِيُّ يَقُولُ : الْفَسْخُ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَالاِنْفِسَاخُ انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَالأْوَّلُ  فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ  سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَهَذَانِ فَرْعَانِ: فَالأْوَّلُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الأْسْبَابِ  وَالْمُسَبَّبَاتِ.

وَخير مِثْلُ لهُ مَا جَاءَ فِي الْمَنْثُورِ لِلزَّرْكَشِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدِ الْفَسْخَ بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لأِنَّ  الْفَسْخَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَذَلِكَ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا كَمَا هُوَ الْحَالُ غَالِبًا.

أَن لَمْ يَكُنِ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، بَلْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنْ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ، كَمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مَثَلاً، فَلاَ يُوجَدُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةُ السَّبَبِيَّةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْقَرَافِيُّ.

الأْمْثِلَةِ الَّتِي قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا انْفِسَاخَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ الْفسْخ مَا يَأْتِي:

أ – اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، كَمَا إِذَا تَلِفَتِ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ.

ب – لَوْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الأَْجْرُ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، وَتَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا: لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِنَفْسِهِ، بَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِلْمُسْتَأْجِرِ.

ج – إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلاَهُمَا فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ.

د – يَنْفَسِخُ عَقْدُ الإْجَارَةِ  بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِالأْعْذَارِ  عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.

الاِنْفِسَاخِ لاَ يَكُونُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ أَمَّا الاِنْفِسَاخُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ لِلْفَسْخِ و عُنْوَانِه (فَسْخٌ).

مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الاِنْفِسَاخُ:

 مَحَلُّ الاِنْفِسَاخِ الْعَقْدُ لاَ غَيْرُهُ،:

سَوَاءٌ أَكَانَ سَبَبُهُ الْفَسْخَ أَمْ غَيْرَهُ؛ لأِنَّ هُمْ عَرَّفُوا الاِنْفِسَاخَ بِانْحِلاَلِ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ ارْتِبَاطٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْعَقْدِ.

أَمَّا إِذَا أُرِيدَ مِنَ الاِنْفِسَاخِ الْبُطْلاَنُ وَالنَّقْضُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ إِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعُهُودُ وَالْوُعُودُ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ أَحْيَانًا فِي الْعِبَادَاتِ.

وَيَرِدُ عَلَى النِّيَّاتِ، كَانْفِسَاخِ نِيَّةِ صَلاَةِ الْفَرْضِ إِلَى النَّفْلِ، وَكَذَلِكَ انْفِسَاخُ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَصَرَفَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ يَنْفَسِخُ الْحَجُّ إِلَى الْعُمْرَةِ.

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ، وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ، وَيَجْعَلَ إِحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَامٌ).

أَسْبَابُ الاِنْفِسَاخِ:

 الاِنْفِسَاخُ لَهُ أَسْبَابٌ مُخْتَلِفَةٌ: مِنْهَا مَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ مَا يَأْتِي بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ بِإِرَادَةِ كِلَيْهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَمِنْهَا مَا هُوَ سَمَاوِيٌّ وَهُوَ مَا يَأْتِي بِدُونِ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ أَوِ الْقَاضِي، بَلْ بِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنِ الإْرَادَةِ  لاَ يُمْكِنُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ مَعَهَا.

يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: مَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ، فَالاِخْتِيَارِيُّ هُوَ أَنْ يَقُولَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ أَوْ نَقَضْتُهُ وَنَحْوُهُ، وَالضَّرُورِيُّ: أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَثَلاً.

الأْسْبَابُ  الاِخْتِيَارِيَّةُ:

أَوَّلاً: الْفَسْخُ:

الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ هُنَا مَا يَرْفَعُ بِهِ حُكْمَ الْعَقْدِ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ بِطَبِيعَتِهَا، كَعَقْدَيِ الْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ مَثَلاً، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ، أَوْ بِسَبَبِ الأْعْذَارِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ بِهَا اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ، أَوْ بِسَبَبِ الْفَسَادِ.

وَيُنْظَرُ حُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِقَالَةٌ وَفَسْخٌ).

ثَانِيًا: الإْقَالَةُ:

الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَى الطَّرَفَيْنِ وَهِيَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ الاِخْتِيَارِيَّةِ، وَتَرِدُ عَلَى الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ . أَمَّا إِذَا كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ لاَزِمٍ كَالْعَارِيَّةِ، أَوْ لاَزِمًا بِطَبِيعَتِهِ وَلَكِنْ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ فَلاَ حَاجَةَ فِيهِ لِلإِْقَالَةِ؛ لِجَوَازِ فَسْخِهِ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَيُنْظَرُ الْكَلاَمُ فِيهِ تَحْتَ عُنْوَانِ: (إِقَالَةٌ).

أَسْبَابُ الاِنْفِسَاخِ غَيْرُ الاِخْتِيَارِيَّةِ:

أَوَّلاً: تَلَفُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ:

تَلَفُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَهُ أَثَرٌ فِي انْفِسَاخِ بَعْضِ الْعُقُودِ، وَالْعُقُودُ نَوْعَانِ:

الأْوَّلُ: الْعُقُودُ الْفَوْرِيَّةُ:

وَهِيَ الَّتِي لاَ يَحْتَاجُ تَنْفِيذُهَا إِلَى زَمَنٍ مُمْتَدٍّ يَشْغَلُهُ بِاسْتِمْرَارٍ، بَلْ يَتِمُّ تَنْفِيذُهَا فَوْرًا دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْعَاقِدَانِ، كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالصُّلْحِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعُقُودِ لاَ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِذَا تَمَّ قَبْضُهُ. فَعَقْدُ الْبَيْعِ مَثَلاً يَتِمُّ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَهَلَكَ بِيَدِهِ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لأِنَّ  الْهَالِكَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَحَمَّلُ تَبِعَةَ الْهَالِكِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ: فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ – وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ – أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ لِمُشْتَرِيهِ، وَهُوَ الْمَالُ الْمِثْلِيُّ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ، يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالتَّلَفِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا وَكَانَ عَقَارًا، أَوْ مِنَ الأْمْوَالِ  الْقِيَمِيَّةِ الَّتِي لَيْسَ لِمُشْتَرِيهَا حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَلاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالتَّلَفِ، وَيَنْتَقِلُ الضَّمَانُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ اللاَّزِمِ.

وَأَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْقَوْلَ :

بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ: وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالْهَلاَكُ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ، يَعْنِي يَسْقُطُ الثَّمَنُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ فِي الْقَلْيُوبِيِّ: الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَإِنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ.

أَمَّا إِذَا تَلِفَ الثَّمَنُ:

فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرَهُمَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ، لَوْ تَلِفَ انْفَسَخَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لأِنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ مِثْلِهِ، بِخِلاَفِ الْمَبِيعِ؛ لأِنَّهُ عَيْنٌ وَلِلنَّاسِ أَغْرَاضٌ فِي الأْعْيَانِ.

أَمَّا إِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فِي الْحَالِ فَفِيهِ خِلاَفٌ. وَلاَ أَثَرَ لِتَلَفِ الثَّمَنِ فِي الاِنْفِسَاخِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا بِأَنْ كَانَ نَقْدًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ؛ وَلأِنَّ  الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ.

هَذَا، وَأَمَّا إِتْلاَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ بِلاَ خِلاَفٍ. وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي يُعْتَبَرُ قَبْضًا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ.

الثَّانِي: الْعُقُودُ الْمُسْتَمِرَّةُ:

وَهِيَ الَّتِي يَسْتَغْرِقُ تَنْفِيذُهَا مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ وَتَمْتَدُّ بِامْتِدَادِ الزَّمَنِ حَسَبَ الشُّرُوطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَالَّتِي تَقْتَضِيهَا طَبِيعَةُ هَذِهِ الْعُقُودِ، كَالإْجَارَةِ  وَالإْعَارَةِ  وَالْوَكَالَةِ وَأَمْثَالِهَا.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعُقُودِ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ.

فمَثَلاً عَقْدُ الإْجَارَةِ : 

يَنْفَسِخُ بِهَلاَكِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ عَقِيبَ الْقَبْضِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ وَيَسْقُطُ الأَْجْرُ.

وَإِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ بَعْدَ مُضِيِّ شَيْءٍ مِنَ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الإْجَارَةَ  تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، دُونَ مَا مَضَى، وَيَكُونُ لِلْمُؤَجِّرِ مِنَ الأْجْرِ  بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ.

فِي إِجَارَةِ الدَّوَابِّ

صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ: أَنَّهُ إِذَا وَقَعَتِ الإْجَارَةُ عَلَى دَوَابَّ بِعَيْنِهَا لِحَمْلِ الْمَتَاعِ، فَمَاتَتِ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا وَقَعَتْ عَلَى دَوَابَّ لاَ بِعَيْنِهَا وَسَلَّمَ الأْجْرَ  إِلَيْهِ فَمَاتَتْ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِلْمُسْتَأْجِرِ.

 إِذَا وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ مَا يَمْنَعُ نَفْعَهَا بِالْكُلِّيَّةِ:

كَمَا لَوْ أَصْبَحَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلسُّكْنَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالأْصَحُّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَذَلِكَ لِزَوَالِ الاِسْمِ بِفَوَاتِ السُّكْنَى؛ لأِنَّ  الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا تَلِفَتْ فَانْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَزَمِنَتْ (أَيْ مَرِضَتْ مَرَضًا مُزْمِنًا) بِحَيْثُ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِتَدُورَ فِي الرَّحَى.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ لَكِنْ لَهُ الْفَسْخُ؛ لأِنَّ  أَصْلَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لاَ يَفُوتُ؛ لأِنَّ  الاِنْتِفَاعَ بِالْعَرْصَةِ (وَهِيَ أَرْضُ الْمَبْنَى) مُمْكِنٌ بِدُونِ الْبِنَاءِ، إِلاَّ أَنَّهُ نَاقِصٌ، فَصَارَ كَالْعَيْبِ

وَمِنَ الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ الَّتِي تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ :

عَقْدُ الشَّرِكَةِ وَعَقْدُ الْمُضَارَبَةِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِمَا. وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْعَارِيَّةِ بِتَلَفِ الْمُعَارِ، وَتَنْتَهِي الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مُصْطَلَحَيْ (إِعَارَةٌ، وَوَكَالَةٌ).

أَمَّا إِذَا غُصِبَ الْمَحَلُّ وَحِيلَ بَيْنَ الشَّخْصِ الْمُنْتَفِعِ وَالْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا فَلاَ يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) بَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْفَسْخِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْغَصْبَ أَيْضًا مُوجِبٌ لِلاِنْفِسَاخِ؛ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، كَمَا سَيَأْتِي.

ما هو أَثَرُ تَعَذُّرِ أَوْ تَعَسُّرِ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ؟

الْمُرَادُ بِذَلِكَ صُعُوبَةُ دَوَامِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّلَفِ، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ.

أَثَرُ الاِسْتِحْقَاقِ فِي الاِنْفِسَاخِ:

 الاِسْتِحْقَاقُ:

ظُهُورُ كَوْنِ الشَّيْءِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ، فَإِذَا بِيعَ أَوِ اسْتُؤْجِرَ شَيْءٌ ثُمَّ ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ حَقٌّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ أَوِ الْمُؤَجِّرِ فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؟.

صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ :

الْحُكْمَ بِالاِسْتِحْقَاقِ لاَ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ، بَلْ يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ. فَإِذَا لَمْ يُجِزِ الْمُسْتَحِقُّ الْعَقْدَ، أَوْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، أَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنَ الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْبَائِعِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، فَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَيَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ، وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ.

وَانْفِسَاخُ الْبَيْعِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

هَذَا إِذَا كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إِذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي، أَوْ نُكُولِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

وَهَذَا إِذَا اسْتَحَقَّ كُلَّ الْمَبِيعِ. أَمَّا إِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ، فَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ فِي الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ فَقَطْ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ فِي الْجَمِيعِ وَبَيْنَ فَسْخِهِ فِي الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ. وَبَعْضُهُمْ فَصَلُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْجُزْءُ الْمُسْتَحَقُّ مُعَيَّنًا أَوْ مُشَاعًا.

هَذَا، وَلِلاِسْتِحْقَاقِ أَثَرٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الإْجَارَةِ  وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَعَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فَصَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي مَوَاضِعِهِ. وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (اسْتِحْقَاقٌ).

ثَالِثًا – الْغَصْبُ:

غَصْبُ مَحَلِّ الْعَقْدِ يُوجِبُ الاِنْفِسَاخَ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ

فَفِي عَقْدِ الإْجَارَةِ  مَثَلاً صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ: أَنْ لَوْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الأَْجْرُ كُلُّهُ فِيمَا إِذَا غُصِبَتْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ. وَإِنْ غُصِبَتْ فِي بَعْضِهَا سَقَطَ بِحِسَابِهَا لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ. وَتَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِالْغَصْبِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِقَاضِيخَانْ. فَلَوْ زَالَ الْغَصْبُ قَبْلَ نِهَايَةِ الْمُدَّةِ لاَ تَعُودُ الإْجَارَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتَعُودُ عَلَى قَوْلِ قَاضِيخَانْ فَيَسْتَوْفِي بَاقِيَ الْمُدَّةِ.

وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ الْغَصْبَ بِتَلَفِ الْمَحَلِّ فَحَكَمُوا بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِهِ. فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّ الإْجَارَةَ  تَنْفَسِخُ بِتَعَذُّرِ مَا يَسْتَوْفِي مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ مِنَ التَّلَفِ، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانِيتِ قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلِكَ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا:

إِنْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ؛ لأِنَّ  فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّهِ، فَإِنْ فَسَخَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوِ انْفَسَخَ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ  فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ.

وَلِمَعْرِفَةِ تَأْثِيرِ الْغَصْبِ فِي انْفِسَاخِ الْعُقُودِ الأْخْرَى يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْعُقُودِ وَإِلَى مُصْطَلَحِ (غَصْبٌ).

هُنَاكَ أَنْوَاعٌ أُخْرَى مِنَ التَّعَذُّرِ تُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ، أَوْ تُعْطِي لِلْعَاقِدِ خِيَارَ الْفَسْخِ، مِنْهَا مَا يَلِي:

أَوَّلاً: عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنِ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ شَرْعًا:

بِأَنْ كَانَ الْمُضِيُّ فِيهِ حَرَامًا، كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصًا عَلَى قَلْعِ الضِّرْسِ إِذَا اشْتَكَتْ ثُمَّ سَكَنَتْ، أَوْ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ إِذَا بَرَأَتْ، أَوِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِذَا سَقَطَ بِالْعَفْوِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالاَتِ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِنَفْسِهَا.

ثَانِيًا: تَضَمُّنُ الضَّرَرِ بِأَنْ كَانَ الْمُضِيُّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ غَيْرَ مُمْكِنٍ إِلاَّ بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْعَقْدِ:

كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ الطَّبَّاخَ لِلْوَلِيمَةِ ثُمَّ خَالَعَ الْمَرْأَةَ، أَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا فَفَاتَهُ وَقْتُ الْحَجِّ أَوْ مَرِضَ، أَوِ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا فَحَبِلَتْ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ قَائِلٍ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ، وَقَائِلٍ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ.

ثَالِثًا: زَوَالُ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا:

كَدَارٍ انْهَدَمَتْ وَأَرْضٍ غَرِقَتْ وَانْقَطَعَ مَاؤُهَا. فَهَذِهِ الصُّوَرُ إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا نَفْعٌ أَصْلاً فَهِيَ كَالتَّالِفَةِ يَنْفَسِخُ بِهَا الْعَقْدُ.

وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا نَفْعٌ غَيْرَ مَا اسْتَأْجَرَهَا لَهُ، مِثْلُ أَنْ يُمْكِنَهُ الاِنْتِفَاعُ بِعَرْصَةِ الدَّارِ، وَالأْرْضِ بِوَضْعِ حَطَبٍ فِيهَا، أَوْ نَصْبِ خَيْمَةٍ فِي أَرْضٍ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِمَا عِنْدَ الْبَعْضِ لِزَوَالِ الاِسْمِ؛ وَلأِنَّ  الْمَنْفَعَةَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ تَلِفَتْ،

وَلاَ تَنْفَسِخُ عِنْدَ الآْخَرِينَ؛ لأِنَّ  الْمَنْفَعَةَ لَمْ تَبْطُلْ جُمْلَةً، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَصَ نَفْعُهَا مَعَ بَقَائِهَا. فَعَلَى هَذَا يُخَيَّرُ الْمُسْتَأْجَرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْضَاءِ.

الاِنْفِسَاخُ فِي الْجُزْءِ وَأَثَرُهُ فِي الْكُلِّ:

انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي جُزْءٍ مِنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ:

بِسَبَبٍ مِنَ الأْسْبَابِ  يُؤَدِّي فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ  إِلَى الاِنْفِسَاخِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كُلِّهِ. وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْجُزْءُ الَّذِي يَنْفَسِخُ فِيهِ الْعَقْدُ قَدْ قُدِّرَ نَصِيبُهُ مِنَ الْعِوَضِ.

أَوْ كَانَ فِي تَجْزِئَةِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ يَجْمَعُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ، وَهَذَا مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

فِي الْعَقْدِ إِذَا جَمَعَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لاَ يَجُوزُ يَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلاَفٍ. وَهَلْ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي:

يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ الْعُقُودِ، وَإِمْكَانِ التَّجْزِئَةِ وَالاِجْتِنَابِ عَنْ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ. وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ).

 وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَسَائِلِ الآْتِيَةِ:

أ – إِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَتَلِفَ بَعْضُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي، وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ؛

لأِنَّ  الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا، فَذَهَابُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لاَ يَفْسَخُهُ؛ لإِمْكَانِ تَبْعِيضِهِ مَعَ عَدَمِ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

ب – وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهُ:

إِذَا طَرَأَ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِعَيْنِهَا، كَرِدَّةٍ وَرَضَاعٍ اخْتَصَّتْ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ وَحْدَهَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ. وَإِنْ طَرَأَ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لإِحْدَاهُمَا مَزِيَّةٌ، بِأَنْ صَارَتَا أُمًّا وَبِنْتًا بِالاِرْتِضَاعِ، فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: أَصَحُّهُمَا يَخْتَصُّ الاِنْفِسَاخُ بِالأْمِّ  وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا؛ لأِنَّ  الاِسْتِدَامَةَ أَقْوَى مِنَ الاِبْتِدَاءِ، فَهُوَ كَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُمٍّ وَبِنْتٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نِكَاحُ الْبِنْتِ دُونَ الأْمِّ .

ج – سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ انْفِسَاخُ عَقْدِ الإْجَارَةِ  بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا:

فَإِذَا أَجَّرَ رَجُلاَنِ دَارًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجَّرَيْنِ فَإِنَّ الإْجَارَةَ  تَبْطُلُ (تَنْفَسِخُ) فِي نَصِيبِهِ فَقَطْ، وَتَبْقَى بِالنِّسْبَةِ لِنَصِيبِ الْحَيِّ عَلَى حَالِهَا. وَكَذَا إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ فَسَقَطَتْ إِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ تَفَرَّقَتْ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ.

د – لَوْ بَاعَ دَابَّتَيْنِ فَتَلِفَتْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ قَبْضِهَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيمَا تَلِفَ :

كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. أَمَّا فِيمَا لَمْ يَتْلَفْ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَنْفَسِخُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَهُ فَبِحِصَّتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَيَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَهُمْ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

هـ – لَوِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كُلُّهُ:

فِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ إِذَا كَانَ الْجُزْءُ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ الأْكْثَرُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ وَحْدَهُ فِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لاَ يَضُرُّ تَبْعِيضُهُ، كَمَا إِذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ الإِْمْضَاءِ فِي الْبَاقِي عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحْقَاقٌ).

اسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ:

الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَالْفَسَادُ مُقْتَرِنٌ بِهِ، وَدَفْعُ الْفَسَادِ

وَاجِبٌ فَيَسْتَحِقُّ فَسْخَهُ، وَلأِنَّ الْفَاسِدَ يُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا لِمَكَانِ النَّهْيِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ، إِزَالَةً لِلْخَبَثِ وَدَفْعًا لِلْفَسَادِ. وَلأِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اشْتِرَاطَ الرِّبَا وَإِدْخَالَ الآْجَالِ الْمَجْهُولَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ،

وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ وَالزَّجْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ يَصْلُحُ زَاجِرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، لأِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفْسَخُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي فَسْخِهِ قَضَاءُ قَاضٍ؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ شَرْعًا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ  . وَلَكِنْ لَوْ أَصَرَّا عَلَى إِمْسَاكِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فَلَهُ فَسْخُهُ جَبْرًا عَلَيْهِمَا، حَقًّا لِلشَّرْعِ.

شُرُوطُ الْفَسْخِ:

الْفَسْخُ مَشْرُوطٌ بِمَا يَلِي:

أ – أَنْ يَكُونَ بِعِلْمِ الْمُتَعَاقِدِ الآْخَرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ: ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الأْسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ الْخِلاَفَ فِيهِ كَالْخِلاَفِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ.

ب – أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.

ج – أَنْ لاَ يَعْرِضَ لَهُ مَا يَتَعَذَّرُ بِهِ الرَّدُّ.

مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ:

الْفَسْخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ:

أ – فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ:

فَلِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَكَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الاِمْتِنَاعِ مِنَ الْقَبُولِ وَالإْيجَابِ ، فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّهُ – كَمَا يَقُولُ الزَّيْلَعِيُّ – يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لأِنَّ فِيهِ إِلْزَامَ الْفَسْخِ لَهُ، فَلاَ يَلْزَمُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ.

ب – وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْقَبْضِ:

فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِمَا:

1 ــ فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ: الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الرَّاجِعَ إِلَى الْبَدَلِ رَاجِعٌ إِلَى صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلاَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ، لأِنَّهُ لاَ قِوَامَ لِلْعَقْدِ إِلاَّ بِالْبَدَلَيْنِ، فَكَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، فَيُؤَثِّرُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَمِيعًا.

2 ــ وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى الْبَدَلَيْنِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ زَائِدٍ، كَالْبَيْعِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِهِمَا:

الأْسْبِيجَابِيُّ قَرَّرَ أَنَّ :

وِلاَيَةَ الْفَسْخِ لِصَاحِبِ الشَّرْطِ، بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الَّذِي لاَ يَرْجِعُ إِلَى الْبَدَلِ، لاَ يَكُونُ قَوِيًّا فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْطِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ – وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ خِلاَفًا فِي الْمَسْأَلَةِ:

فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ:

لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، لِعَدَمِ اللُّزُومِ، بِسَبَبِ الْفَسَادِ.

وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ:

الْفَسْخُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ، فَلَوْ فَسَخَهُ الآْخَرُ، لأَبْطَلَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، هَذَا لاَ يَجُوزُ.

طَرِيقُ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

يُفْسَخُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ بِطَرِيقِينَ:

الأْوَّلُ: بِالْقَوْلِ:

وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ، أَوْ رَدَدْتُهُ، أَوْ نَقَضْتُهُ، فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَا الْبَائِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ ثَبَتَ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَاءٍ.

الثَّانِي: بِالْفِعْلِ:

وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَدَّ الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ بَائِعِهِ – حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَالتَّخْلِيَةِ – فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ.

مَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ:

لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْفَسْخِ بِصَرِيحِ الإْبْطَالِ وَالإْسْقَاطِ:

بِأَنْ يَقُولَ: أَسْقَطْتُ، أَوْ: أَبْطَلْتُ، أَوْ: أَوْجَبْتُ الْبَيْعَ، أَوْ أَلْزَمْتُهُ؛ لأِنَّ وُجُوبَ الْفَسْخِ ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، دَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَمَا ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، لاَ يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى إِسْقَاطِهِ مَقْصُودًا، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ.

لَكِنْ قَدْ يَسْقُطُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ:

بِأَنْ يَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَقْصُودًا، فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ.

وَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَتَقَرَّرَ الضَّمَانُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ لاَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَلاَ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ. وَفِيمَا يَلِي أَهَمُّ صُوَرِ ذَلِكَ.

الصُّورَةُ الأْولَى: التَّصَرُّفُ الْقَوْلِيُّ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا.

أطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ :

يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ يُخْرِجُ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ  .

وَهَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي أَصَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ جَعَلَ الْمَبِيعَ مَهْرًا، أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ، أَوْ بَدَلَ إِجَارَةٍ، وَعَلَّلُوهُ قَائِلِينَ: لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ.

أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الْهِبَةَ لاَ تُفِيدُ الْمِلْكَ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ.

أَوْ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الرَّهْنَ لاَ يَلْزَمُ بِدُونِ التَّسْلِيمِ.

أَوْ وَقَفَهُ وَقْفًا صَحِيحًا، لأِنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ.

أَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ مَاتَ، لأِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ.

أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَهُ أَيْضًا، لأِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ.

وَكَذَا الْعِتْقُ، فَقَدِ اسْتَثْنَوْهُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ وَتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ.

فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، يَنْفُذُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَيَمْتَنِعُ فَسْخُهُ وَذَلِكَ:

أ – لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ، فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ.

ب – وَلأِنَّهُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي، وَنَقْضُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ   مَا كَانَ إِلاَّ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُقَدَّمُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى، لِغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسَعَةِ عَفْوِهِ، وَفَقْرِ الْعَبْدِ دَائِمًا إِلَى رَبِّهِ.

ج – وَلأِنَّ الْعَقْدَ الأْوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لاَ بِوَصْفِهِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، فَلاَ يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ.

د – وَلأِنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الأْوَّلِ  ؛ لأِنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ – مَعَ الإْذْنِ فِي الْقَبْضِ – تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَلاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الاِسْتِرْدَادِ مِنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِلاَّ كَانَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَاقَضَةِ.

اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ: الإْجَارَةَ

فَقَرَّرُوا أَنَّهَا لاَ تَمْنَعُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ تُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنَ الأْعْذَارِ، بَلْ لاَ عُذْرَ أَقْوَى مِنَ الْفَسَادِ، كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ.

وَلأِنَّهَا – كَمَا يَقُولُ الْمَرْغِينَانِيُّ – تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّ الْفَسْخِ – كَمَا لَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِهِبَتِهِ، أَوْ أَفْتَكَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ – عَادَ الْحَقُّ فِي الْفَسْخِ؛ لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَمْ تُوجِبِ الْفَسْخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ.

يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ، لاَ بَعْدَهُ؛

لأِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ، وَيَنْقُلُهُ إِلَى الْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ، فَلاَ يَعُودُ حَقُّهُ إِلَى الْعَيْنِ وَإِنِ ارْتَفَعَ السَّبَبُ، كَمَا لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِسَبَبِ فَقْدِهِ مَثَلاً، ثُمَّ وُجِدَ الْمَغْصُوبُ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الأْفْعَالُ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا:

مِنْهَا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ:

فَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِي الأْرْضِ الَّتِي اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ شَجَرًا:

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ :

يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُمَا اسْتِهْلاَكٌ عِنْدَهُ، لأِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ، وَقَدْ حَصَلاَ بِتَسْلِيطٍ مِنَ الْبَائِعِ، فَيَنْقَطِعُ بِهِمَا حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ، كَالْبَيْعِ.

وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ :

الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ لاَ يَمْنَعَانِ مِنَ الْفَسْخِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَهُمَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَذَلِكَ لأِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ – مَعَ ضَعْفِهِ – لاَ يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَهَذَا أَوْلَى.

مَّا يَمْنَعُ الْفَسْخَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ أَوِ النَّقْصُ مِنْهُ

1 – أَمَّا الزِّيَادَةُ:

فَقَدْ قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَبِيعِ، غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قُمَاشًا فَخَاطَهُ، أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ قَمْحًا فَطَحَنَهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَأَمْثَالِهَا يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ، وَتَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ.

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَسَمْنِ الْمَبِيعِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالْوَلَدِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ، فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ.

2 ــ  وَأَمَّا نَقْصُ الْمَبِيعِ:

فَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّهُ إِذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لاَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَلاَ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ. لَكِنْ إِنْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَيُضَمِّنُهُ أَرْشَ النُّقْصَانِ. وَلَوْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْبَائِعِ، اعْتُبِرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لَهُ. وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنَ الْجَانِي.

وَضَعَ الزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لِمَا يَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ الأْفْعَالِ  حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ وَالْفَسْخِ، فَقَالَ:

إِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَتَى فَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلاً، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الاِسْتِرْدَادِ، كَمَا إِذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا.

مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: حُكْمُ الرِّبْحِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ :

يَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، وَلاَ يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا رَبِحَ فِي الْمَبِيعِ، فَلَوِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَيْنًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلاً وَتَقَابَضَا، وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ، يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْعَيْنَ بِالرِّبْحِ، لأِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهَا، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ؛ لأِنَّ النَّقْدَ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.

وَمُفَادُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ (أَيْ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ) لاَ يَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُمَا؛ لأِنَّ كُلًّا مِنَ الْبَدَلَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهِمَا مَعًا.

 قَبُولُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِلتَّصْحِيحِ:

الْبَيْعُ الْفَاسِدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِيهِ ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا:

أ – فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ.

وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ مَثَلاً، فَإِذَا أَسْقَطَ الأْجَلَ  مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَقَبْلَ فَسْخِهِ، جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأْجَلِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً بِحَذْفِ الْمُفْسِدِ، فَبَيْعُ جِذْعٍ فِي سَقْفٍ فَاسِدٍ.

وَكَذَلِكَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَحِلْيَةٍ فِي سَيْفٍ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلاَّ بِضَرَرٍ لاَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إِنْ قَلَعَهُ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الاِمْتِنَاعُ.

وَبَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، لَكِنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ  . وَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ  الْمُشْتَرِي رَهْنًا، وَلَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا وَلاَ مُسَمًّى، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لَكِنْ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَرَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ يَبْطُلُ الأْجَلُ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِزَوَالِ الْفَسَادِ.

هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ: الْبَيْعُ إِذَا انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الاِسْتِحَالَةِ.

 أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا:

بِأَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ، فَلاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ اتِّفَاقًا، كَمَا إِذَا بَاعَ عَيْنًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَهَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.

الضَّمَانُ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ:

في هذة الحالة لاَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا، إِذَا هَلَكَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثَبَتَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِرَدِّ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا – مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا – وَرَدِّ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ أَمْ أَقَلَّ مِنْهُ أَمْ مِثْلَهُ.

وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، لأِنَّهُ بِهِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ، فَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي انْعَقَدَ بِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الإْتْلاَفِ (الْهَلاَكُ)، لأِنَّهُ بِالإْتْلاَفِ يَتَقَرَّرُ الْمِثْلُ أَوِ الْقِيمَةُ

 نَقَصَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالنَّقْصُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

أ – لَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعَ تَضْمِينِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ النُّقْصَانِ.

ب – وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، صَارَ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لِلْمَبِيعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنِ الْبَائِعِ، هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ.

ج – وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ:

-فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْجَانِي.

-وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ، وَهُوَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي.

ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ :

نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، كَمَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَأَعْتَقَهُ فِي الأْيَّامِ  الثَّلاَثَةِ لاَ يَنْفُذُ إِعْتَاقُهُ.

وَلَوْلاَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ لَنَفَذَ إِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إِعْتَاقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، لِزَوَالِ الْخِيَارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَكَمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا، يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ، وَلِلْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ.

انْتهَاءُ الْعَقْد وَأَسْبَابُهُ :

انْتهَاءُ الْعَقْد إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتيَاريًّا أَوْ يَكُونَ ضَرُوريًّا:

وَالأَْوَّلُ الْعَقْد الاخْتيَاريًّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بإرَادَة عَاقدٍ وَاحدٍ أَوْ بإرَادَة كلَيْهمَا، فَإذَا كَانَ بإرَادَة أَحَد الْعَاقدَيْن يُسَمَّى في اصْطلاَح الْفُقَهَاء فَسْخًا، وَإذَا كَانَ برضَا كلاَ الْعَاقدَيْن يُسَمَّى إقَالَةً .

وَالثَّاني الْعَقْد ضَرُوريًّا : أَي الانْتهَاءُ الضَّرُوريُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُؤَقَّتَة، كَالإْجَارَة وَالإْعَارَة وَالْوَكَالَة وَنَحْوهَا، أَوْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُطْلَقَة، كَالرَّهْن وَالنّكَاح وَالْبَيْع وَنَحْوهَا، وَيُسَمَّى الانْتهَاءُ في هَذه الصُّورَة انْفسَاخًا.

وَلكُلّ هَذه الصُّوَر أَسْبَابٌ وَأَحْكَامٌ نُجْملُهَا فيمَا يَلي:

أَوَّلاً – الأْسْبَابُ الاخْتيَاريَّةُ لانْتهَاء الْعَقْد:

أ – الْفَسْخُ:

الْفَسْخُ حَلُّ ارْتبَاط الْعَقْد وَرَفْعُ حُكْمه بالإْرَادَة وَيَكُونُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة بطَبيعَتهَا، كَعَقْد الْوَكَالَة وَالْوَديعَة وَالشَّركَة وَنَحْوهَا اتّفَاقًا، وَكَذَا عَقْدُ الإْعَارَة الْمُطْلَقَة عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء، أَوْ بشَرْط أَنْ لاَ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ عنْدَ الْمَالكيَّة، فَهَذه الْعُقُودُ يُمْكنُ إنْهَاؤُهَا بالْفَسْخ بإرَادَة كُلٍّ منَ الْعَاقدَيْن مَعَ مُرَاعَاة عَدَم الضَّرَر، وَكَذَا الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ كَعَقْد الْبَيْع وَالإْجَارَة وَغَيْرهمَا إذَا كَانَ فيهَا خيَارٌ لكُلٍّ منَ الطَّرَفَيْن أَوْ أَحَدهمَا، فَتُفْسَخُ بإرَادَة مَنْ لَهُ الْخيَارُ.

ب – الإْقَالَةُ.

 الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْد وَإلْغَاءُ حُكْمه وَآثَاره بتَرَاضي الطَّرَفَيْن وَمَحَلُّ الإْقَالَة الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ منَ الطَّرَفَيْن ممَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار؛ لأنَّ  هَذه الْعُقُودَ لاَ يُمْكنُ فَسْخُهَا إلاَّ بإرَادَة الطَّرَفَيْن وَاتّفَاق الْمُتَعَاقدَيْن، وَعَلَى ذَلكَ فَإنَّ الإْقَالَةَ تَصحُّ في عُقُود الْبَيْع وَالْمُضَارَبَة، وَالإْجَارَة وَالرَّهْن (بالنّسْبَة للرَّاهن) وَالسَّلَم وَالصُّلْح وَهيَ عُقُودٌ لاَزمَةٌ.

وَلاَ تَصحُّ الإْقَالَةُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة كَالإْعَارَة وَالْوَصيَّة، وَالْجَعَالَة أَو الْعُقُود اللاَّزمَة الَّتي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار كَالْوَقْف وَالنّكَاح.

شُرُوط الإْقَالَة وَأَثَرهَا في إنْهَاء الْعُقُود يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: 

ج ــ  انْتهَاءُ الْمُدَّة الْمُعَيَّنَة أَو الْعَمَل الْمُعَيَّن:

 تَنْتَهي بَعْضُ الْعُقُود بانْتهَاء مُدَّتهَا الْمُقَرَّرَة لَهَا باتّفَاق الطَّرَفَيْن، أَوْ بانْتهَاء الْعَمَل الَّذي عُقدَ الْعَقْدُ لأجْله.

فَعَقْدُ الإْجَارَة الْمُقَيَّدُ بمُدَّةٍ يَنْتَهي بانْتهَاء الْمُدَّة باتّفَاق الْفُقَهَاء كَالدَّار للسُّكْنَى أَو الأْرْض للزّرَاعَة، إلاَّ إذَا وُجدَ عُذْرٌ يَقْتَضي امْتدَادَ الْمُدَّة، كَأَنْ يَكُونَ في الأْرْض زَرْعٌ لَمْ يُحْصَدْ، أَوْ كَانَتْ سَفينَةٌ في الْبَحْر وَانْقَضَت الْمُدَّةُ قَبْلَ وُصُولهَا إلَى السَّاحل. ر: (إجَارَة ف 60)

كَمَا تَنْقَضي الإْجَارَةُ لعَمَلٍ مُعَيَّنٍ بانْتهَاء الْعَمَل الْمَعْقُود عَلَيْه في إجَارَة الأَْشْخَاص، كَالْحَمَّال وَالْقَصَّار وَالْخَيَّاط إذَا أَنْهَوْا الْعَمَلَ.

وَكَذَلكَ عَقْدُ الْوَكَالَة الْمُقَيَّدَة لإجْرَاء عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإنَّهَا تَنْتَهي بانْتهَاء الْعَمَل الْمُفَوَّض للْوَكيل. ر: (وَكَالَة).

 أَسْبَابُ الْعَقْد الضَّرُوريَّةُ :

أ – هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه.

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَلَفَ الْمَعْقُود عَلَيْه سَبَبٌ لانْتهَاء بَعْض الْعُقُود، وَذَلكَ لتَعَذُّر دَوَام الْعَقْد، فَإذَا تَلفَت الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَو انْهَدَمَت الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ للسُّكْنَى انْفَسَخَت الإْجَارَةُ.

وَكَذَلكَ إذَا تَلفَت الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ أَو الْمُودَعَةُ في عَقْدَي الْعَاريَّة وَالإْيدَاع، أَوْ تَلفَ رَأْسُ الْمَال في عَقْدَي الشَّركَة (شَركَة الأْمْوَال أَو الْمُضَارَبَة) كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في الْمُصْطَلَحَات الْخَاصَّة بكُلّ عَقْدٍ منْ هَذه الْعُقُود.

وَهَذَا السَّبَبُ يُؤَثّرُ في الْعُقُود الْمُسْتَمرَّة الَّتي تَدُومُ آثَارُهَا بدَوَام الْمَحَلّ، أَمَّا مَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فَوْرًا – كَعَقْد الْبَيْع مَثَلاً – فَلاَ يُؤَثّرُ فيه هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه (الْمَبيع) بَعْدَ قَبْض الْبَدَلَيْن.

أَمَّا قَبْلَ قَبْض الْمَبيع

فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في أَثَر هَلاَك الْمَبيع في انْفسَاخ الْبَيْع: فَقَالَ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ بانْفسَاخه مَعَ تَفْصيلٍ عنْدَهُمْ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ في هَلاَك الْمَبيع قَبْلَ الْقَبْض:

إنْ هَلَكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْض بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لأنَّهُ لَوْ بَقيَ أَوْجَبَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَري بالثَّمَن، وَإذَا طَالَبَهُ بالثَّمَن فَهُوَ يُطَالبُهُ بتَسْليم الْمَبيع، وَإنَّهُ عَاجزٌ عَن التَّسْليم، فَتَمْتَنعُ الْمُطَالَبَةُ أَصْلاً، فَلَمْ يَكُنْ في بَقَاء الْبَيْع فَائدَةٌ، فَيَنْفَسخُ،

وَكَذَلكَ إذَا هَلَكَ بفعْل الْمَبيع، بأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ بفعْل الْبَائع، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري عنْدَنَا، وَإنْ هَلَكَ بفعْل الْمُشْتَري لاَ يَنْفَسخُ الْبَيْعُ وَعَلَيْه الثَّمَنُ؛ لأنَّهُ بالإْتْلاَف صَارَ قَابضًا.

وَقَالَ النَّوَويُّ:

الْمَبيعُ قَبْلَ قَبْضه منْ ضَمَان الْبَائع، فَإنْ تَلفَ بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَالُوا:

إذَا كَانَ الْمَبيعُ ممَّا فيه حَقُّ تَوْفيَةٍ لمُشْتَريه – وَهُوَ الْمَالُ الْمثْليُّ منْ مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ – يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائع، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبيعُ مُعَيَّنًا وَعَقَارًا أَوْ منَ الأَْمْوَال الْقيميَّة فَلاَ يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف، وَيَنْتَقلُ الضَّمَانُ إلَى الْمُشْتَري بالْعَقْد الصَّحيح اللاَّزم وَمثْلُهُ عنْدَ الْحَنَابلَة.

ب – وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا :

وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا لاَ تُؤَثّرُ في الْعُقُود اللاَّزمَة في الْجُمْلَة، مَا عَدَا عَقْدَ الإْجَارَة عنْدَ الْحَنَفيَّة، فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بوَفَاة الْمُؤَجّر أَو الْمُسْتَأْجر؛ لأنَّ  الْمَنَافعَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد، وَتَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا.

فَإذَا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الإْجَارَة بَعْدَ الْوَفَاة فَالْمُسْتَأْجرُ أَوْ وَرَثَتُهُ يَنْتَفعَان منَ الْعَيْن الْمُنْتَقلَة ملْكيَّتُهَا بوَفَاة الْمُؤَجّر إلَى الْوَرَثَة، وَالْمَنَافعُ الْمُسْتَحْدَثَةُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حينَ الْوَفَاة حَتَّى تَنْتَقلَ إلَى وَرَثَة الْمُسْتَأْجر.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء :

إلَى أَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُؤَثّرُ في انْتهَاء عَقْد الإْجَارَة إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا بَاقيَةً؛ لأنَّ  الْمَنَافعَ أَمْوَالٌ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا حينَ الْعَقْد، فَانْتَقَلَتْ إلَى الْمُسْتَأْجر بالْعَقْد.

أَمَّا الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزمَة – كَالْوَكَالَة وَالإْعَارَة وَالْوَديعَة وَنَحْوهَا – فَتَنْفَسخُ في الْجُمْلَة وَتَنْتَهي بوَفَاة أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا؛ لأنَّ هَا عُقُودٌ تَنْفَسخُ بإرَادَة أَحَد الطَّرَفَيْن في حَيَاتهمَا وَتَسْتَمرُّ بإرَادَتهمَا، فَإذَا تُوُفّيَ الْعَاقدُ فَقَدْ بَطَلَتْ إرَادَتُهُ وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُ، فَبَطَلَتْ آثَارُ هَذه الْعُقُود الَّتي كَانَتْ تَسْتَمرُّ باسْتمْرَار إرَادَة الْعَاقدَيْن.

ج – غَصْبُ الْمَعْقُود عَلَيْه :

غَصْبُ مَحَلّ بَعْض الْعُقُود يُوجبُ انْفسَاخَهَا، فَفي عَقْد الإْجَارَة قَالَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ: إنْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فَللْمُسْتَأْجر الْفَسْخُ؛ لأنَّ  فيه تَأْخيرَ حَقّه،

فَإنْ فَسَخَ فَالْحُكْمُ فيه كَمَا لَو انْفَسَخَ الْعَقْدُ بتَلَف الْعَيْن، وَإنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَة فَلَهُ الْخيَارُ بَيْنَ الْفَسْخ وَالرُّجُوع بالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاء عَلَى الْعَقْد وَمُطَالَبَة الْغَاصب بأَجْر الْمثْل.

وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ:

لَوْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ منْ يَد الْمُسْتَأْجر سَقَطَ الأَْجْرُ كُلُّهُ فيمَا إذَا غُصبَتْ في جَميع الْمُدَّة، وَإنْ غُصبَتْ في بَعْضهَا سَقَطَ بحسَابهَا، وَذَلكَ لزَوَال التَّمَكُّن منَ الانْتفَاع بالْعَيْن الْمُسْتَأْجَرَة، وَتَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بالْغَصْب في الْمَشْهُور عنْدَ الْحَنَفيَّة، خلاَفًا لبَعْضهمْ.

وَأَلْحَقَ الْمَالكيَّةُ الْغَصْبَ بتَعَذُّر الاسْتيفَاء منَ الْمَعْقُود عَلَيْه، فَحَكَمُوا بانْفسَاخ الْعَقْد به، وَصَرَّحُوا بأَنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسخُ بتَعَذُّر مَا يُسْتَوْفَى منْهُ الْمَنْفَعَةُ، وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ منَ التَّلَف، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانيت قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلكَ.

د – أَسْبَابٌ أُخْرَى يُفْسَخُ بهَا الْعَقْدُ أَوْ يَنْتَهي.

ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاء منْ أَسْبَاب فَسْخ الْعَقْد أَو انْتهَائه الاسْتحْقَاقَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمَالكيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ أَنَّ الْمَبيعَ إذَا اسْتُحقَّ للْغَيْر بالْبَيّنَة أَوْ بإقْرَار الْمُشْتَري فَإنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسخُ وَيَنْتَهي حُكْمُهُ.

وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: إنَّ الْحُكْمَ بالاسْتحْقَاق لاَ يُوجبُ فَسْخَ الْعَقْد، بَلْ يُوجبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَة الْمُسْتَحقّ، فَإنْ أَجَازَ وَإلاَّ يَنْفَسخُ وَيَسْتَردُّ الْمُشْتَري الثَّمَنَ منَ الْبَائع. كَمَا فُصّلَ في مُصْطَلَح: (اسْتحْقَاق ف9 وَمَا بَعْدَهَا).

تَّعْرِيفُ فَسْخ:

1 – الْفَسْخُ لُغَةً:

يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: النَّقْضُ أَوِ التَّفْرِيقُ، وَالضَّعْفُ فِي الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ، وَالْجَهْلُ، وَالطَّرْحُ، وَإِفْسَادُ الرَّأْيِ، وَمِنَ الْمَجَازِ: انْفَسَخَ الْعَزْمُ وَالْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ: انْتَقَضَ، وَقَدْ فَسَخَهُ: إِذَا نَقَضَهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ  أَوْ هُوَ ارْتِفَاعُ حُكْمِ الْعَقْدِ مِنَ الأْصْلِ  كَأَنْ لَمْ يَكُنْ  أَوْ هُوَ: قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ  فَيُسْتَعْمَلُ الْفَسْخُ أَحْيَانًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ أَحَدِ الْخِيَارَاتِ، وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي أَحْوَالِ فَسْخِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ أَوْ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

 الأْصْلُ فِي الْعُقُودِ شَرْعًا اللُّزُومُ  لقوله تعالي :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)  قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الأْصْلَ  فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ، لأِنَّ  الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنَ الأْعْيَانِ ، وَالأْصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا .

وَقَدْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا، فَيَجِبُ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لإِزَالَةِ  سَبَبِ الْفَسَادِ، وَاحْتِرَامِ ضَوَابِطِ الشَّرْعِ أَوْ شَرَائِطِهِ الَّتِي قَرَّرَهَا فِي الْعُقُودِ، حِمَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَمَنْعًا لِلْمُنَازَعَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَيَجُوزُ الْفَسْخُ إِعْمَالاً لإِرَادَةِ  الْعَاقِدِ، كَالْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، وَالْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَالاِتِّفَاقِ كَالإْقَالَةِ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخِيَارَاتِ وَالإْقَالَةِ  وَقَالَ  عليه الصلاة والسلام : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ).

وَالْفَسْخُ الْقَضَائِيُّ يَكُونُ إِمَّا رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ:

وَإِمَّا إِحْقَاقًا لِلْحَقِّ وَرَفْعًا لِلظُّلْمِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِسَبَبِ إِضْرَارِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّهِ فِي الْفَسْخِ، لِوُجُودِ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَوِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ مَثَلاً، وَحَقُّ الْقَاضِي فِي الْفَسْخِ نَاشِئٌ مِنْ وِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ عَلَى النَّاسِ، أَوْ لأِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِقَابَةُ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ..

وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَسْخُ إِمَّا شَرْعًا أَوْ قَضَاءً أَوْ بِالرِّضَا.

أَسْبَابُ الْفَسْخِ:

7 – أَسْبَابُ الْفَسْخِ خَمْسَةٌ: إِمَّا الاِتِّفَاقُ أَوِ التَّرَاضِي وَمِنْهُ الإْقَالَةُ، وَإِمَّا الْخِيَارُ، وَإِمَّا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَإِمَّا اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ أَحَدِ الْتِزَامَاتِ الْعَقْدِ الْمُتَقَابِلَةِ، وَإِمَّا الْفَسَادُ.

 الْفَسْخُ بِالاِتِّفَاقِ:

 يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ، وَالإْقَالَةُ نَوْعٌ مِنَ الْفَسْخِ الاِتِّفَاقِيِّ وَتَقْتَضِي رُجُوعَ كُلٍّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَيَرْجِعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُثَمَّنُ لِلْبَائِعِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ .

وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ :

وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ  فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، لأِنَّ  الإْقَالَةَ  هِيَ الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَلأِنَّ  الْمَبِيعَ عَادَ إِلَى الْبَائِعِ بِلَفْظٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَانَ فَسْخًا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ:

الإْقَالَةَ  بَيْعٌ ثَانٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ .

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

هِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ، لأِنَّهَا  رَفْعٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَرَفْعُ الشَّيْءِ فَسْخُهُ.

وَيَرَى مُحَمَّدٌ:

أَنَّ الإْقَالَةَ  فَسْخٌ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا، فَتُجْعَلُ بَيْعًا لِلضَّرُورَةِ، لأِنَّ  الأْصْلَ  فِي الإْقَالَةِ  الْفَسْخُ، لأِنَّهَا  عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الشَّيْءِ لُغَةً وَشَرْعًا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقَالَة)

خِيَارُ الْفَسْخِ:

 الْخِيَارُ:

هُوَ حَقُّ الْعَاقِدِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ إِمْضَائِهِ لِظُهُورِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِمُقْتَضَى اتِّفَاقٍ عَقْدِيٍّ، فَيَكُونُ لِلْمُتَعَاقِدِ الْحَقُّ فِي الاِخْتِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ إِمْضَائِهِ بِفَسْخِهِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ  أَمْرَ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ، أَوْ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ  أَمْرَ خِيَارِ التَّعْيِينِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَار)

ج – عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ أَصْلاً:

 يَجُوزُ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْعَقْدِ الْمُسَمَّى أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْفَسْخِ، مِثْلُ الْعَارِيَّةُ وَالْقَرْضِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ، فَكُلُّهَا عُقُودٌ غَيْرُ لاَزِمَةٍ يَجُوزُ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عُقُودُ الْمُشَارَكَاتِ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ قَبْلَ الْعِلْمِ كَالْوَكَالَةِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لِلْوَدِيعِ فَسْخُهَا قَبْلَ عِلْمِ الْمُودَعِ بِالْفَسْخِ، وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً .

 اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ الاِلْتِزَامِ:

 إِذَا اسْتَحَالَ تَنْفِيذُ أَحَدِ الاِلْتِزَامَاتِ الْعَقْدِيَّةِ جَازَ فَسْخُ الْعَقْدِ، لأِنَّ  الاِلْتِزَامَ الْمُقَابِلَ يُصْبِحُ بِلاَ سَبَبٍ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع) وَمُصْطَلَحِ (الْتِزَام) وَمُصْطَلَحِ (إِجَارَة)

الْفَسْخُ لِلْفَسَادِ:

 يُفْسَخُ الْعَقْدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمُعَامَلاَتِ لِلْفَسَادِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لإِزَالَةِ  سَبَبِ فَسَادِ الْعَقْدِ كَجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ أَوِ الأْجَلِ  أَوْ وَسَائِلِ التَّوْثِيقِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .

أَنْوَاعُ الْفَسْخِ:

 الْفَسْخُ بِإِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ هُوَ إِنْهَاءُ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقِهِمَا، إِذْ إِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ يَكُونُ بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي عُقِدَ بِهَا الْعَقْدُ، فَكَمَا نَشَأَ الْعَقْدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَطَابِقَيْنِ عَلَى إِنْشَائِهِ، كَذَلِكَ يَزُولُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَوَافِقَيْنِ عَلَى إِلْغَائِهِ، وَقَدْ يَتِمُّ الْفَسْخُ بِإِرَادَةٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْخِيَارِ .

الْفَسْخُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ:

 إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ أَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، بِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقَضَاءِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلاَ إِلَى التَّرَاضِي.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلاَ يَنْفَسِخُ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي. فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا – وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ – فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِحُكْمِ الْقَاضِي إِذَا رُفِعَ الأْمْرُ  إِلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْعَاقِدَانِ عَنِ الْفَسْخِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بُطْلاَن) (وَخِيَارُ الْعَيْبِ) (وَبَيْع)

الْفَسْخُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ:

15 – يَكُونُ الْفَسْخُ بِسَبَبِ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي الْعَقْدِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الزَّوَاجِ عِنْدَ تَبَيُّنِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفَسْخِ الْبَيْعِ حَالَةَ فَسَادِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالاِنْفِسَاخِ، كَمَا إِذَا كَانَ فِي الْمَبِيعِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ مُفْضِيَةٌ لِلنِّزَاعِ .

الْفَسْخُ لِلأْعْذَارِ:

 يُفْسَخُ الْعَقْدُ لِلْعُذْرِ إِذَا كَانَ عَقْدَ إِيجَارٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَقْدَ بَيْعٍ لِلثِّمَارِ بِسَبَبِ الْجَوَائِحِ .

فَقَدْ أَجَازَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ  دُونَ غَيْرِهِمْ فَسْخَ عَقْدِ الإْجَارَةِ  وَعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِالأْعْذَارِ  الطَّارِئَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا بِالْعَاقِدَيْنِ أَمْ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لأِنَّ  الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى الْفَسْخِ عِنْدَ الْعُذْرِ، لأِنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ، لَلَزِمَ صَاحِبَ الْعُذْرِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ.

أَمَّا الْجُمْهُورُ فَالأْصْلُ  عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ، وَقَدْ يَرَوْنَ الْفَسْخَ فِي أَحْوَالٍ قَلِيلَةٍ.

الْفَسْخُ لاِسْتِحَالَةِ التَّنْفِيذِ:

إِذَا هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِغَيْرِ الْهَلاَكِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ أَمْ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ) وَمُصْطَلَحِ (خِيَارُ الْعَيْبِ )

الْفَسْخُ لِلإْفْلاَسِ وَالإْعْسَارِ وَالْمُمَاطَلَةِ:

 ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ :

الْمُشْتَرِيَ إِذَا ظَهَرَ مُفْلِسًا فَلِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْظِرَهُ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» ، وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُعْسِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَلَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ:

إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلاَ فَسْخَ، وَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ الْمَبِيعَ وَبَقِيَّةَ مَالِهِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ الْحَالُّ أَوْ بَعْضُهُ بَعِيدًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَر، أَوْ غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي الْمَسَافَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ.

وَيَرَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ:

الْمُشْتَرِيَ إِذَا كَانَ مُوسِرًا مُمَاطِلاً فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ، قَالَ فِي الإْنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، إِذْ نَصُّوا أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرِيمُ أَحَقَّ بِأَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ، بَلْ هُوَ فِي ثَمَنِهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ مَنْ بَاعَ شَيْئًا وَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَمْ تَفِ التَّرِكَةُ بِالدَّيْنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ فِي عَيْنِ مَالِهِ .

وَلَيْسَ خِيَارُ الْفَسْخِ مُخْتَصًّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي كُلِّ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالإْجَارَةِ  وَالْقَرْضِ، فَلِلْمُؤَجِّرِ فَسْخُ الإْجَارَةِ  إِذَا أَفْلَسَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ دَفْعِ الأْجْرَةِ ، لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ إِذَا أَفْلَسَ وَكَانَ عَيْنُ مَالِهِ قَائِمًا .

وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِلإْعْسَارِ  أَوِ الْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ، وَالْفُرْقَةُ طَلاَقٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَجَوَازُهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ.

وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِيقَ بِسَبَبِ الإْعْسَارِ، لأِنَّ  اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قوله تعالي (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .

فَسْخُ النِّكَاحِ:

التَّفْرِيقُ فِي النِّكَاحِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَسْخًا أَوْ طَلاَقًا.

وَالْفَسْخُ: مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمِنْهُ مَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.

أَمَّا الْفَسْخُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ يَكُونُ فِي الأْمُورِ  الآْتِيَةِ:

أ – عَدَمُ الْكَفَاءَةِ.

ب – نُقْصَانُ الْمَهْرِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ.

ج – إِبَاءُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الإْسْلاَمَ  إِذَا أَسْلَمَ الآْخَرُ، لَكِنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجَةِ فَسْخٌ بِالاِتِّفَاقِ، أَمَّا الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي رَأْيِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، فَلَمْ يَرَيَا تَوَقُّفَهَا عَلَى الْقَضَاءِ، لأِنَّ  الْفُرْقَةَ حِينَئِذٍ طَلاَقٌ فِي رَأْيِهِمَا.

د – خِيَارُ الْبُلُوغِ لأِحَدِ  الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِذَا زَوَّجَهُمَا فِي الصِّغَرِ غَيْرُ الأْبِ  وَالْجَدِّ.

هـ – خِيَارُ الإْفَاقَةِ  مِنَ الْجُنُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا زَوَّجَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْجُنُونِ غَيْرُ الأْبِ  وَالْجَدِّ وَالاِبْنِ.

وَأَمَّا الْفَسْخُ غَيْرُ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ فِي الأْمُورِ  التَّالِيَةِ:

أ – فَسَادُ الْعَقْدِ فِي أَصْلِهِ، كَالزَّوَاجِ بِغَيْرِ شُهُودٍ.

ب – طُرُوءُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

ج – رِدَّةُ الزَّوْجِ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ فَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .

الْفَسْخُ لِعَدَمِ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ:

عَدَمُ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ أَوْ مِلْكٌ وَالَّذِي يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْعَقْدِ عَلَى رِضَاهُ يُعَدُّ مِنْ أَسْبَابِ انْحِلاَلِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِهِ .

الْفَسْخُ بِسَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ:

 إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْفَسْخِ أَوِ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ.

آثَارُ الْفَسْخِ:

تَظْهَرُ آثَارُ الْفَسْخِ فِي شَيْئَيْنِ: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ، وَسَرَيَانُهُ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.

انْتِهَاءُ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ:

يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِالْفَسْخِ وَيَكُونُ لَهُ آثَار فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا.

أ – أَثَرُ الْفَسْخِ فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ:

يَظَلُّ الْعَقْدُ قَائِمًا إِلَى حِينِ الْفَسْخِ وَيُنْتِجُ جَمِيعَ آثَارِهِ، فَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ انْحَلَّ وَاعْتُبِرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّرَفَيْنِ.

 أَثَرُ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ:

 إِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ تَصَرُّفًا يُرَتِّبُ لِلْغَيْرِ حَقًّا فِي الْمِلْكِيَّةِ امْتَنَعَ الْفَسْخُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حِفَاظًا عَلَى ذَلِكَ الْحَقِّ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَبْقَى حَقُّ الْفَسْخِ قَائِمًا وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ وَإِلاَّ فَالْفَسْخُ عَلَى حَالِهِ .

أَثَرُ الْفَسْخِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ:

حَثَ السُّيُوطِيُّ أَثَرَ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاضِي بِعُنْوَانِ: هَلْ يَرْفَعُ الْفَسْخُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ فَقَالَ:

أ – فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ: الأْصَحُّ  أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ.

ب – الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّصْرِيَةِ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

ج – تَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: الأْصَحُّ  الاِنْفِسَاخُ مِنْ حِينِ التَّلَفِ.

د – الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

هـ – السَّلَمُ: يَرْجِعُ الْفَسْخُ إِلَى عَيْنِ رَأْسِ الْمَالِ.

و – الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ: مِنْ حِينِهِ.

ز – الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ: مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.

ح – فَسْخُ النِّكَاحِ بِأَحَدِ الْعُيُوبِ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

ط – الإْقَالَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ .

وَيُلاَحَظُ أَنَّ أَغْلَبَ حَالاَتِ الْفَسْخِ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهَا أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.

وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ خِلاَفًا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ، هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ ؟

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ :

فَسْخَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ – إِمَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ – رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ عَلَى الْمَاضِي، فَتَكُونُ غَلَّةُ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ بِمَا وَقَعَتْ بِهِ الإْقَالَةُ .

قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ نَقْلاً عَنْ شَيْخِ الإْسْلاَمِ: إِنَّ الْفَسْخَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لاَ فِي مَا مَضَى .

أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ اللاَّزِمَةُ فَلاَ يَرِدُ عَلَيْهَا الإْفْسَادُ بَعْدَ نَفَاذِهَا. إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَسْخُ بِرِضَا الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الإْقَالَةِ، وَفِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِفْسَادُهَا مَتَى شَاءَ، أَمَّا اللاَّزِمَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلاَ يَجُوزُ إِفْسَادُهَا مِمَّنْ هِيَ لاَزِمَةٌ فِي حَقِّهِ وَيَجُوزُ لِلآْخَرِ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ.

تَّعْرِيفُ الإِقَالَةٌ:

1 – الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ: الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ إِذَا رَفَعَهُ مِنْ سُقُوطِهِ.

وَمِنْهُ الإْقَالَةُ فِي الْبَيْعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ.

وَهِيَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: رَفْعُ الْعَقْدِ، وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ.

حُكْمُ الإْقَالَةِ التَّكْلِيفِيِّ:

 الإْقَالَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ بِحَسَبِ حَالَةِ الْعَقْدِ:

فَإِنَّهَا تَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهَا إِذَا نَدِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم  فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ».

وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الإْقَالَةِ، وَعَلَى أَنَّهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، لِوَعْدِ الْمُقِيلِينَ بِالثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُقَالِ مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْمًا أَغْلَبِيًّا، وَإِلاَّ فَثَوَابُ الإِقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إِقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا…».

وَتَكُونُ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ، لأِنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إِلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، لأِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ.

وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالإْقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارًّا لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْغَبْنُ  بِالْيَسِيرِ هُنَا، لأِنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إِنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.

رُكْنُ الإْقَالَةِ:

 رُكْنُ الإْقَالَةِ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالاَّنِ عَلَيْهَا:

إِن وُجِدَ الإْيجَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ.

الإْقَالَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، نَصًّا بِالْقَوْلِ أَوْ دَلاَلَةً بِالْفِعْلِ. وَيَأْتِي الْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بَعْدَ الإْيجَابِ، أَوْ تَقَدَّمَ السُّؤَالُ، أَوْ قَبَضَ الآْخَرُ مَا هُوَ لَهُ فِي مَجْلِسِ الإْقَالَةِ أَوْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا، لأِنَّ مَجْلِسَ الْعِلْمِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ كَمَجْلِسِ اللَّفْظِ فِي الْحَاضِرِ، فَلاَ يَصِحُّ مِنَ الْحَاضِرِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهَا.

الأْلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الإْقَالَةُ:

الإْقَالَةَ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً بِلَفْظِ الإْقَالَةِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا:

كَمَا لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي. وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ فِي صِيغَةِ اللَّفْظِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالآْخَرُ مُسْتَقْبَلاً.

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ وَالآْخَرُ مَاضٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَقِلْنِي: فَقَالَ، أَقَلْتُكَ، أَوْ قَالَ لَهُ: جِئْتُكَ لِتُقِيلَنِي، فَقَالَ: أَقَلْتُكَ، فَهِيَ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ كَمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ.

وَمَعَ أَنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِ الإْقَالَةَ حُكْمَهُ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ لاَ تَجْرِي فِي الإْقَالَةِ، فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تَنْعَقِدُ إِلاَّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي، لأِنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأُعْطِيَتْ بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَقَلْتُ، وَالآْخَرُ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، أَوْ هَوَيْتُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْتُ، كَمَا تَصِحُّ بِلَفْظِ «الْمُصَالَحَةِ» وَتَصِحُّ بِلَفْظِ «الْبَيْعِ» وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُعَاطَاةِ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى، وَكُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ أَجْزَأَ. خِلاَفًا لِلْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لاَ يَصْلُحُ لِلْحَلِّ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لاَ يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ.

وَتَنْعَقِدُ الإْقَالَةُ بِالتَّعَاطِي كَالْبَيْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَقَلْتُكَ فَرَدَّ إِلَيْهِ الثَّمَنَ، وَتَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشَارَةِ مِنَ الأْخْرَسِ. شُرُوطُ الإْقَالَةِ:

 يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ مَا يَلِي:

أ – رِضَى الْمُتَقَايِلَيْنِ: لأِنَّهَا رَفْعُ عَقْدٍ لاَزِمٍ، فَلاَ بُدَّ مِنْ رِضَى الطَّرَفَيْنِ.

ب – اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ: لأِنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ مَوْجُودٌ فِيهَا، فَيُشْتَرَطُ لَهَا الْمَجْلِسُ، كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ.

ج – أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ قَابِلاً لِلنَّسْخِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ لاَ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ فَلاَ تَصِحُّ الإْقَالَةُ.

د – بَقَاءُ الْمَحَلِّ وَقْتَ الإْقَالَةِ، فَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَقْتَ الإْقَالَةِ لَمْ تَصِحَّ، فَأَمَّا قِيَامُ الثَّمَنِ وَقْتَ الإْقَالَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ.

هـ – تَقَابُضُ بَدَلَيِ الصَّرْفِ فِي إِقَالَةِ الصَّرْفِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا بَيْعٌ، لأِنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ إِنَّمَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ. و – أَلاَّ يَكُونَ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ، فَإِنْ كَانَ لَمْ تَصِحَّ إِقَالَتُهُ.

حَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ:

ما هو اتِّجَاهَ الْفُقَهَاءِ فِي تَكْيِيفِ الإْقَالَةِ ؟

الأْوَّلُ: أَنَّهَا فَسْخٌ يَنْحَلُّ بِهِ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي، أَيِ ارْفَعْهَا، وَالأْصْلُ أَنَّ مَعْنَى التَّصَرُّفِ شَرْعًا مَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً، وَرَفْعُ الْعَقْدِ فَسْخُهُ، وَلأِنَّ الْبَيْعَ وَالإْقَالَةَ اخْتَلَفَا اسْمًا، فَتَخَالَفَا حُكْمًا، فَإِذَا كَانَتْ رَفْعًا لاَ تَكُونُ بَيْعًا، لأِنَّ الْبَيْعَ إِثْبَاتٌ وَالرَّفْعُ نَفْيٌ، وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَسْخًا مَحْضًا، فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا:

إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا بَيْعًا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَسْخًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالإْمَامِ مَالِكٍ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ تَقَعَ الإْقَالَةُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَهُوَ أَخْذُ بَدَلٍ وَإِعْطَاءُ بَدَلٍ، وَقَدْ وُجِدَ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي لاَ لِلأْلْفَاظِ وَالْمَبَانِي.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا:

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْفَسْخِ وَالإْزَالَةِ، فَلاَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ نَفْيًا لِلاِشْتِرَاكِ، وَالأْصْلُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، لأِنَّ فِيهَا نَقْلَ مِلْكٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ، فَجُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّهِ مِنَ الإْسْقَاطِ، إِذْ لاَ يَمْلِكُ الْعَاقِدَانِ إِسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِمَا.

آثَارُ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ:

يَتَرَتَّبُ عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ آثَارٌ فِي التَّطْبِيقِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا يَلِي: أَوَّلاً – الإْقَالَةُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ:

 إِذَا تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ الأْوَّلَ:

أَوْ سَمَّيَا زِيَادَةً عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، أَوْ سَمَّيَا جِنْسًا آخَرَ سِوَى الْجِنْسِ الأْوَّلِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، أَوْ أَجَّلاَ الثَّمَنَ الأْوَّلَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَتَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالأْجَلِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ بَاطِلَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإْقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولاً أَمْ غَيْرَ مَنْقُولٍ.

لأِنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ، وَالْعَقْدُ وَقَعَ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، فَيَكُونُ فَسْخُهُ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ، وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ وَالأْجَلِ.

وَتَبْقَى الإْقَالَةُ صَحِيحَةً، لأِنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الأْشْيَاءِ لاَ تُؤَثِّرُ فِي الإْقَالَةِ وَلأِنَّ الإْقَالَةَ رَفْعُ مَا كَانَ لاَ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ، حَيْثُ إِنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ.

وَتَكُونُ الإْقَالَةُ أَيْضًا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ الْمُسَمَّى، لاَ بِمَا يُدْفَعُ بَدَلاً عَنْهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ دَرَاهِمَ عِوَضًا عَنْهَا، ثُمَّ تَقَايَلاَ – وَقَدْ رُخِّصَتِ الدَّنَانِيرُ – رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ لاَ بِمَا دَفَعَ، لأِنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَتِ الإْقَالَةُ فَسْخًا، وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، كَانَ اشْتِرَاطُ خِلاَفِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ بَاطِلاً.

 الشُّفْعَةُ فِيمَا يُرَدُّ بِالإْقَالَةِ:

يَقْتَضِي الْقِيَاسُ أَلاَّ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ:

إِذَا اعْتُبِرَتْ هَذِهِ الإْقَالَةُ فَسْخًا مُطْلَقًا، وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ الإْقَالَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ بَيْعًا.

وَعَنْ زُفَرَ: هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً. أَمَّا سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، فَإِنَّهَا تُعْطِي الشَّفِيعَ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ.

فَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،

أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّهِمَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ تَقَايُلِ الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَمَنِ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ، فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، أَوِ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ بُنِيَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ.

وَعَند أَبِي حَنِيفَةَ : تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالشَّفِيعُ غَيْرُهُمَا، فَتَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ تُعَدُّ الإْقَالَةُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَلِهَذَا الشَّفِيعِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ، إِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الأْوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْحَاصِلِ بِالإْقَالَةِ.

أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ: مِنَ الْمُشْتَرِي لأِجْلِ الشِّرَاءِ، أَوْ مِنَ الْبَائِعِ لِشِرَائِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي بِالإْقَالَةِ، حَيْثُ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا مِنَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، وَحَيْثُ تَكُونُ فَسْخَ بَيْعٍ فَتُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَلاَ يَتِمُّ فَسْخُهُ إِلاَّ إِنْ رَضِيَ الشَّفِيعُ لأِنَّ الشِّرَاءَ لَهُ.

إِقَالَةُ الْوَكِيلِ:

 مَنْ مَلَكَ الْبَيْعَ مَلَكَ الإْقَالَةَ:

فَصَحَّتْ إِقَالَةُ الْمُوَكِّلِ بَيْعَ وَكِيلِهِ، وَتَصِحُّ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إِذَا تَمَّتْ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. فَإِنْ أَقَالَ بَعْدَ قَبْضِهِ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ، إِذْ تُعْتَبَرُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ شِرَاءً لِنَفْسِهِ.

وَبِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ الْوَكِيلَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي أَصْلاً.

وَتَجُوزُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالإْبْرَاءِ، خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. وَالْمُرَادُ بِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ: الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ السَّلَمِ، بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَيْنِ.

وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لاَ تَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لاَ تَجُوزُ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا.

وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي حَقِّ كُلِّ آدَمِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالإْقَالَةِ عِنْدَهُمُ ابْتِدَاءً، سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إِنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمْ بَيْعٌ.

هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَنْ لَهُ حَقُّ الإْقَالَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سِوَى الْوَرَثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ. أَمَّا حُكْمُ الإْقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَطَرَّقُوا لَهُ.

وَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّ إِقَالَتَهُ لاَ تَصِحُّ.

مَحَلُّ الإْقَالَةِ:

 مَحَلُّ الإْقَالَةِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ فِي حَقِّ الطَّرَفَيْنِ مِمَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لاَ يُمْكِنُ فَسْخُهَا إِلاَّ بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الإْقَالَةَ تَصِحُّ فِي الْعُقُودِ الآْتِيَةِ: الْبَيْعِ – الْمُضَارَبَةِ – الشَّرِكَةِ – الإْجَارَةِ – الرَّهْنِ (بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ) – السَّلَمِ – الصُّلْحِ.

وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لاَ تَصِحُّ فِيهَا الإْقَالَةُ فَهِيَ الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ، كَالإْعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْجِعَالَةِ، أَوِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، مِثْلُ الْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ لاَ يَجُوزُ فَسْخُ أَحَدِهِمَا بِالْخِيَارِ.

أَثَرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الإْقَالَةِ:

اعْتَبَارْ الإْقَالَةَ فَسْخًا:

فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ تَكُونُ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَغْوًا، وَتَصِحُّ الإْقَالَةُ. فَفِي الإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، إِذَا شَرَطَ أَكْثَرَ مِمَّا دَفَعَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِمُتَعَذِّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَتُبْطِلُ الشَّرْطَ، لأِنَّهُ يُشْبِهُ الرِّبَا، وَفِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ خَالٍ عَنِ الْعِوَضِ.

وَكَذَا إِذَا شَرَطَ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الأْقَلِّ، لأِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَالْفَسْخُ عَلَى الأْقَلِّ لَيْسَ كَذَلِكَ، لأِنَّ فِيهِ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَهُوَ مُحَالٌ. وَالنُّقْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَرَفْعُهُ يَكُونُ مُحَالاً، إِلاَّ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَتَجُوزُ الإْقَالَةُ بِالأْقَلِّ، لأِنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ مِنَ الْعَيْبِ.

وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَرَوْنَ الإْقَالَةَ فَسْخًا، وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، لأِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ، وَإِذَا شَرَطَ الأْقَلَّ فَكَذَلِكَ .

الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ:

الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ كَالإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ:

أَيْ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ كَمَا فِي ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّرْفِ.

فَلَوْ تَقَايَلاَ الصَّرْفَ، وَتَقَابَضَا قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ، مَضَتِ الإْقَالَةُ عَلَى الصِّحَّةِ. وَإِنِ افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ، سَوَاءٌ اعْتُبِرَتْ بَيْعًا أَمْ فَسْخًا.

فَعَلَى اعْتِبَارِهَا بَيْعًا كَانَتِ الْمُصَارَفَةُ مُبْتَدَأَةً، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ يَدًا بِيَدٍ، مَا دَامَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا مُسْتَقِلًّا يُحِلُّهَا مَا يُحِلُّ الْبُيُوعَ، وَيُحَرِّمُهَا مَا يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ، فَلاَ تَصْلُحُ الإْقَالَةُ إِذْ حَصَلَ الاِفْتِرَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

عَلَى اعْتِبَارِهَا فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، وَهُوَ هُنَا ثَالِثٌ، فَيُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ. وَهَلاَكُ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ لاَ يُعَدُّ مَانِعًا مِنَ الإْقَالَةِ، لأِنَّهُ فِي الصَّرْفِ لاَ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الإْقَالَةِ، بَلْ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ مِثْلِهِ، فَلَمْ تَتَعَلَّقِ الإْقَالَةُ بِعَيْنِهِمَا، فَلاَ تَبْطُلُ بِهَلاَكِهِمَا.

ما معني إِقَالَةُ الإْقَالَةِ؟

15 – إِقَالَةُ الإْقَالَةِ إِلْغَاءٌ لَهَا وَالْعَوْدَةُ إِلَى أَصْلِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَصِحُّ فِي أَحْوَالٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَوْ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الإْقَالَةَ، ارْتَفَعَتِ الإْقَالَةُ وَعَادَ الْبَيْعُ.

وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ إِقَالَةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَصِحُّ، لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَقَدْ سَقَطَ بِالإْقَالَةِ الأْولَى، فَلَوِ انْفَسَخَتْ لَعَادَ الْمُسْلَمُ فِيهِ الَّذِي سَقَطَ، وَالسَّاقِطُ لاَ يَعُودُ.

مَا يُبْطِلُ الإْقَالَةَ:

مِنَ الأْحْوَالِ الَّتِي تَبْطُلُ فِيهَا الإْقَالَةُ بَعْدَ وُجُودِهَا مَا يَأْتِي:

أ – هَلاَكُ الْمَبِيعِ:

فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الإْقَالَةِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ، لأِنَّ مِنْ شَرْطِهَا بَقَاءَ الْمَبِيعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَحَلُّهُ، بِخِلاَفِ هَلاَكِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْقَالَةَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ، وَلِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ بِهَلاَكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الثَّمَنِ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ قِيَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَهَلَكَ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ.

وَلَكِنْ لاَ يُرَدُّ عَلَى اشْتَرَطَ قِيَامَ الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، لأِنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَمْ هَالِكًا. لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى لاَ يَجُوزُ الاِسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

ب – تَغَيُّرُ الْمَبِيعِ:

كَأَنْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الدَّابَّةُ بَعْدَ الإْقَالَةِ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَصَبْغِ الثَّوْبِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَبْطُلُ الإْقَالَةُ بِتَغَيُّرِ ذَاتِ الْمَبِيعِ مَهْمَا كَانَ. كَتَغَيُّرِ الدَّابَّةِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، بِخِلاَفِ الْحَنَابِلَةِ.

اخْتِلاَفُ الْمُتَقَايِلَيْنِ:

يَقَعُ الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْمُتَقَايِلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، أَوْ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ، أَوْ عَلَى الثَّمَنِ، أَوْ عَلَى الإْقَالَةِ مِنْ أَسَاسِهَا.

فَإِنَّهُمَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ تَحَالَفَا، فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنَ التَّحَالُفِ مَا لَوْ تَقَايَلاَ الْعَقْدَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلاَ تَحَالُفَ، بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لأِنَّهُ غَارِمٌ.

وَلَوِ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتُهُ مِنَ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ تَقَايَلْنَاهُ، فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إِنْكَارِهِ الإْقَالَةَ.

فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الإْقَالَةَ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ.

وفي مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ – 1972 م

مادة (105) :

(ا) الإقالة رفع العقد وإزالته ولا خيار فيها ولا شفعة .
(ب) تترتب آثار الإقالة من حينها لا من أصل العقد المتقایل منه .
(ج) تصح الإقالة بلفظها وبكل ما أدى معناها .

خلاصة القول

(ا) الإقالة فسخ العقد : وهي عبارة عن الرفع والإزالة يقال : أقال الله عثرتك : أي أزالها ، ورد الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد ، ورجوع كل من العاقدين إلى ما كان له ، وهي مشروعة عند الندم الحديث أبي هريرة مرفوعا: (من أقال مسها أقال الله عنه يوم القيامة ولا خيار في الإقالة ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يفسخ ، ولا شفعة في الإقالة ، لأن المقضي لها هو البيع ولم يوجد .

(ب) الفسخ بالإقالة رفع للعقد من حين الفسخ ، لا من أصله . فما حصل من ماء کسب و نماء منفصل فلم مشتری لحديث : ( الخراج بالضمان ) . ويبقى المبيع بعد التقابل أمانة بيد اشتری، ومؤنة رده على البائع ، لرضاه بقائه أمانة بيد المشتري بعد النقابل ، فلا يلزمه مؤنة رده .

(ج) تصح الإقالة بلفظها ، بأن يقول : أقلتك ، و بلفظ مصالحة ، و بلفظ بيع ، وما يدل على معاطاة ، لأن المقصود المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ .

مادة (106) :

(ا) تصح الإقالة قبل قبض مطلقا ، وبعد نداء الجمعة وتصح من المضارب والشريك ولو بلا إذن رب المال ، أو الشريك ، ومن المفلس بعد الحجر عليه .

(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع .

(ج) لا تصح الإقالة مع تلف المبيع ، ولا بزيادة على الثمن أو نقصه ، ولا بغير جنسه، ولا مع موت أحد العاقدين أو غيبته .

خلاصة القول :

(ا) تصح الإقالة قبل قبض مبیع مطلقاً حتى فلا يحتاج لحق توفية ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض . وتصح بعد نداء الجمعة ، کسائر الفسوخ . وتصح من مضارب وشريك ولو بلا أذن رب المال أو الشريك لظهور المصلحة فيها ، الا من وكل في شراء أو في بيع ، لأنه لا يملك الإقالة بغير إذن الموكل لأنه لم يوكله في الفسخ . كما تصح من مفلس بعد حجر عليه لمصلحة.

(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع ، فيصح التقايل في آبق وشارد كما لو فسخ فيهما بخيار شرط.

(ج) لا تصح الإقالة مع تلف مبيع مطلقاً لفوات محل الفسخ ، وتصح مع تلف ثمن ، ولا تصح مع زيادة على ثمن معقود به أو مع نقصه، أو بغير جنسه ، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل منهما إلى ما كان له ، كما لا تصح مع موت أحد العاقدين أو غيبته .

نوصي بقراءة مدونة : «دنيا المنوعات»