هل يجوز لمحكمة الجنايات إضافة وقائع جديدة غير الواردة في أمر الإحالة إعمالاً لنص المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية؟
تنص المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه إذا رأت محكمة الجنايات وجود متهمين آخرين أو وقائع جديدة لم تكن واردة في أمر الإحالة، يمكنها إقامة الدعوى على هؤلاء المتهمين أو عن تلك الوقائع، شريطة أن تقوم النيابة العامة بإجراء التحقيقات اللازمة وتقديم المحضر للمحكمة. يُعتبر هذا الإجراء تعديلًا للتهمة دون أن يعد المحكمة قد أضافت على نفسها سلطات الاتهام الممنوحة للنيابة العامة. إذا كانت الوقائع الجديدة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالواقعة الأصلية، يجوز للمحكمة أن تستخدم هذه الوقائع كأساس للإدانة. في حال عدم الفصل في الدعوى الأصلية أو ارتباط الوقائع الجديدة بالواقعة الأصلية ارتباطًا لا يقبل التجزئة، يجب إحالة القضية إلى محكمة أخرى للنظر فيها.
ضوابط إضافة وقائع جديدة غير الواردة في أمر الإحالة
أولاً: مبدأ الإحالة بناءً على وقائع جديدة ظهرت أثناء المحاكمة
حيث أورد الحكم مبادئ قانونية مفادها تطبيق المادة 308 من القانون سالف الذكر - :
( .... لما كان ما تقدم ، فإن ما قامت به المحكمة من إحالة البلاغات التي تقدم بها مجني عليهم آخرون عن وقائع ارتكاب المتهمين لذات الجريمة والتي ظهرت أثناء المحاكمة ولم يكن قد شملها أمر الإحالة، ورأت المحكمة أن تقدم هؤلاء المجني عليهم ببلاغاتهم للنيابة العامة وللمحكمة أثناء نظر الدعوى عن وقائع ارتكاب المتهمين لذات الجريمة مما يستوجب إجراء تحقيقات تكميلية يجب على النيابة العامة أن تقوم بإجرائها ثم تقدم المحضر إلى المحكمة عملاً بنص المادة 214 مكررًا من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم 170 لسنة 1981...
ثانياً: سلطة المحكمة في تعديل التهمة
... يُعد مجرد تعديل للتهمة بإضافة هذه الوقائع مما تملك المحكمة إجراؤه، ولا تكون معه المحكمة قد أضفت على نفسها سلطة الاتهام المخولة أو الثابتة للنيابة العامة وحدها ولا تكون به قد فصلت في غير ما طلبته النيابة العامة وهي الخصم رافع الدعوى والتي تتحدد طلباتها بما ورد بأمر الإحالة أو ورقة التكليف بالحضور، وهو في حقيقته قضاء في واقعة لا تختلف عن واقعة الدعوى المطروحة، وتتحد معها في عناصرها وأركانها وبالتالي يجوز للمحكمة أن تتعرض لهذه الوقائع، وتتخذ فيها أساساً للإدانة...
ثالثاً: مدى تطابق الوقائع الجديدة مع الوقائع الأصلية
... فالوقائع الجديدة لها ذات المقومات المادية والمعنوية التي يتكون منها الركن المادي والمعنوي للتهمة الواردة بأمر الإحالة أو ورقة التكليف بالحضور ودون أن يعتبر ذلك مخالفًا للقاعدة العامة المنصوص عليها بالمادة 307 من قانون الإجراءات الجنائية وهي تقيد المحكمة بالوقائع المرفوعة عنها الدعوى الواردة بأمر الإحالة أو ورقة التكليف بالحضور...
رابعاً: تأثير الوقائع الجديدة على التهمة الأصلية
... مثل حالة إضافة وقائع أخرى جديدة أكثر جسامة تؤثر على الواقعة الأصلية، وتتغير نتيجة لها التهمة المرفوعة بها الدعوى إلا أنه لا يُخرجها عن جوهرها ولا يُمثل خروجاً على القاعدة العامة لأن ظهور مجني عليهم آخرين وقعت عليهم ذات الجريمة التي ارتكبها المتهمون ونالهم ضرر منها وتعجلت النيابة العامة في تقديم الدعوى للمحكمة دون شمول قرار الاتهام للوقائع الخاصة بارتكاب المتهمين لذات الجريمة بالنسبة لهؤلاء المجني عليهم أيضًا...
خامساً: القوة القانونية للحكم الصادر في ضوء الوقائع الجديدة
... لا سيما وأن الحكم الذي كان سيصدر في التهمة المرفوعة بها الدعوى يحوز قوة الشيء المقضي به بالنسبة للوقائع التي ظهرت ولم تكن قد رُفعت بها الدعوى الجنائية وكذلك مع اجتماع وحدة السبب والموضوع بينهما، وأيضًا إذا كانت هذه الوقائع الجديدة مرتبطة بالواقعة الأصلية ارتباطاً لا يقبل التجزئة لكون الوقائع المرفوع بها الدعوى والوقائع المضافة تعتبر حلقة من سلسلة وقائع متماثلة ارتكبها المتهمون لغرض جنائي واحد...
مشروعية تعديل التهمة ورفض الدفع بعدم صلاحية المحكمة
... فلا يكون هناك مبرر لحرمان المحكمة من حق تعديل التهمة بإضافة هذه الوقائع دون أن يعتبر ذلك تصديًا منها للحالة المنصوص عليها بالمادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية يقتضى عدم صلاحيتها لنظر الدعوى، ولما تقدم فإن الدفع يكون في غير محله متعينًا رفضه ) .
أولاً: نص المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية
لما كان ذلك ، وكانت المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائي قد نصت على أنه :
( إذا رأت محكمة الجنايات في دعوى مرفوعة أمامها أن هناك متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم أو وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم ، أو هناك جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها ، فلها أن تقيم الدعوى على هؤلاء الأشخاص أو بالنسبة لهذه الوقائع وتحيلها إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها طبقاً للباب الرابع من الكتاب الأول من هذا القانون.
وللمحكمة أن تندب أحد أعضائها للقيام بإجراءات التحقيق ، وفي هذه الحالة تسري على العضو المندوب جميع الأحكام الخاصة بقاضي التحقيق ، وإذا صدر قرار في نهاية التحقيق بإحالة الدعوى إلى المحكمة وجب إحالتها إلى محكمة أخرى ، ولا يجوز أن يشترك في الحكم فيها أحد القضاة الذين قرروا إقامة الدعوى ، وإذا كانت المحكمة لم تفصل في الدعوى الأصلية وكانت مرتبطة مع الدعوى الجديدة ارتباطًا لا يقبل التجزئة وجب إحالة القضية إلى دائرة أخرى ) .
ثانياً: القاعدة العامة في الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة
ويبين من تلك المادة أنه وإن كان الأصل هو الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة حرصاً على الضمانات الواجب أن تحاط بها المحاكمات الجنائية...
ثالثاً: الاستثناء المقرر للمحكمة في التصدي للدعوى الجنائية
... إلا أنه أجيز من باب الاستثناء لمحكمة الجنايات وكذا الدائرة الجنائية لمحكمة النقض في حالة نظر الموضوع عملاً بالمادة 12 من ذات القانون لدواعٍ من المصلحة العليا ولاعتبارات قدرها المشرع نفسه - وهي بصدد الدعوى المعروضة عليها - أن تقيم الدعوى العمومية على غير من أقيمت الدعوى عليهم أو عن وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم أو عن جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها...
رابعاً: نطاق وحدود حق التصدي للدعوى الجنائية
... ولا يترتب على استعمال هذا الحق الذي يطلق عليه ( حق التصدي للدعوى الجنائية ) غير تحريك الدعوى أمام سلطة التحقيق أو أمام القاضي المندوب لتحقيقها من بين أعضاء الدائرة التي تصدت لها ، ويكون بعدئذ للجهة التي تجري التحقيق حرية التصرف في الأوراق حسبما يتراءى لها ، فلها أن تقرر فيها بألا وجه لإقامة الدعوى أو تأمر بإحالتها إلى المحكمة...
خامساً: ضوابط الإحالة بعد التصدي ومنع مشاركة القاضي المقرر
... فإذا ما رأت إحالة الدعوى إلى المحكمة فإن الإحالة يجب أن تكون إلى محكمة أخرى ولا يجوز أن يشترك في الحكم فيها أحد القضاة الذين قرروا إقامة الدعوى...
سادساً: وجوب إحالة الدعوى الأصلية مع الجديدة عند الارتباط غير القابل للتجزئة
... وإذا كانت المحكمة لم تفصل في الدعوى الأصلية - حين التصدي - وكانت مرتبطة مع الدعوى الجديدة ارتباطًا لا يقبل التجزئة - وجب إحالة القضية كلها إلى محكمة أخرى ، بمعنى أنه يجب على المحكمة تأجيل الدعوى الأصلية حتى يتم التصرف في الدعوى الجديدة التي تصدت لها فإذا أحيلت إليها وجب عليها إحالة الدعويين إلى محكمة أخرى .
لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعن وآخرين بوصف أنهم في غضون الفترة من عام .... وحتى شهر .... سنة .... :
1- تلقوا أموالاً من الجمهور بلغت جملتها ( سبعين مليوناً وثلاثمائة وثلاثين ألفاً وستمائة وأربعة وعشرين جنيهاً مصرياً ، وثلاثة وعشرين ألفاً واثنين وأربعين دولاراً أمريكياً ) لتوظيفها واستثمارها في مجال تجارة الملابس وذلك بعد العمل بأحكام قانون الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها الصادر بالقانون رقم 146 لسنة 1988 حال كونهم من غير الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة بالسجل المعد لذلك بالهيئة العامة للرقابة المالية على النحو المبين بالتحقيقات .
2- امتنعوا عن رد الأموال موضوع الاتهام السابق والمستحقة للمجني عليهم والتي تلقوها منهم بعد العمل بأحكام قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها الصادر بالقانون رقم 146 لسنة 1988 على النحو المبين بالتحقيقات .
وأثناء نظر الدعوى أضافت المحكمة وقائع أخرى ظهرت أثناء المحاكمة والمتمثلة في بلاغات تقدم بها مجني عليهم آخرين غير الوارد أسماؤهم بأمر الإحالة وردت بالكشوف المقدمة من النيابة العامة بعد قرار الإحالة وبعد أن ندبت المحكمة النيابة العامة لتحقيق الوقائع الجديدة إعمالاً للمادة 214 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية وعقب أن فرغت من نظر الدعوى قضت بإدانة الطاعن وأخرى عن تهمتي:
1- تلقيا أموالاً من الجمهور وهم المجني عليهم الوارد أسماؤهم بالأوراق والبالغ جملتها ( مائة وواحد مليون وستمائة وتسعة وخمسين ألفاً ومائتين وخمسة وتسعين جنيهاً مصرياً ، وكذا مبلغ مليون ومائتين وثلاثة وسبعين ألفاً واثنين وأربعين ألف دولار أمريكي ) لتوظيفها واستثمارها في مجال تجارة الملابس وذلك بعد العمل بأحكام قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها الصادر بالقانون رقم 146 لسنة 1988 حال كونهم من غير الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة بالسجل المعد لذلك بالهيئة العامة للرقابة المالية على النحو المبين بالتحقيقات .
2- امتنعا عن رد الأموال موضوع الاتهام السابق والمستحقة لأصحابها المجني عليهم سالفي الذكر والتي تلقياها منهم بعد العمل بأحكام قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها الصادر بالقانون رقم 146 لسنة 1988 على النحو المبين بالتحقيقات .
أولاً: مدى رقابة محكمة النقض على استعمال محكمة الجنايات لحق التصدي
لما كان ذلك ، ولئن كان تقدير حق التصدي المنصوص عليه في المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية متروك لمحكمة الجنايات تستعمله متى رأت ذلك ، إلا أنه إذا أبدت المحكمة الأسباب التي بنيت عليها هذا التقدير فإن لمحكمة النقض أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب أن تؤدى إلى النتيجة التي رتبها عليها...
ثانياً: مخالفة الحكم للقانون بسبب عدم إحالة الوقائع إلى دائرة أخرى
... وكان ما أورده الحكم رداً على الدفع المشار إليه - على النحو المتقدم - قد أثبت بحق أن الوقائع التي وردت بأمر الإحالة مرتبطة بالوقائع الجديدة التي لم يشملها ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، إلا أنه عاقب الطاعن عن الوقائع كلها مما أدى إلى تشديد مقدار الرد المقضي به على الطاعن رغم أن صحيح القانون يوجب على المحكمة في هذه الحالة إحالة الوقائع الأصلية والمرتبطة بها إلى دائرة أخرى إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة 11 من القانون سالف الذكر...
ثالثاً: التطبيق الخاطئ للمادتين 307 و308 من قانون الإجراءات الجنائية
... لكون تلك الوقائع تخرج عن نطاق المادة 308 من القانون ذاته – على خلاف ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه – وينطبق عليها حكم المادة 307 من القانون المذكور التي تحظر معاقبة المتهم عن واقعة غير واردة بأمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور...
رابعاً: بطلان الحكم لصدوره من هيئة فقدت صلاحيتها
... فإن المحكمة - وقد فقدت صلاحيتها لنظر الدعوى محظور عليها الفصل فيها - تكون قد أخطأت بمخالفتها نصين صريحين في القانون هما المادتان ١١ ، ٣٠٧ من قانون الإجراءات الجنائية السالف الإشارة إليهما...
خامساً: عدم تأثير مناقشة الدفاع أو موافقته على صحة الإجراءات
... ولا يؤثر في هذا القول ما ذهبت إليه المحكمة من أن هذه الوقائع الجديدة كانت موضوع مناقشة الدفاع فعلاً أثناء المرافعة بالجلسة أو أن يكون قد قبل المرافعة في الدعوى ، إذ فضلاً عن أن الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أنه اعترض على السير في المحاكمة...
سادساً: مخالفة الحكم للنظام العام والإخلال بأصل من أصول المحاكمة
... فإن ما أجرته المحكمة - على ما سلف ذكره - وقع مخالفًا للنظام العام لتعلقه بأصل من أصول المحاكمات الجنائية وهو الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة ولاعتبارات سامية تتصل بتوزيع العدالة على ما يقضي به القانون وبصلاحية المحكمة بنظر الدعوى برمتها...
سابعاً: بطلان الحكم ونقضه بالنسبة للطاعن فقط
... ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صدر من هيئة فقدت صلاحيتها لنظر الدعوى والحكم فيها ، فبات باطلاً بطلانًا جوهريًا متعلقًا بالنظام العام من حيث صلاحية الهيئة التي أصدرته وكذلك إجراءات إصداره مما يتعين معه نقضه والإعادة بالنسبة للطاعن وحده دون المحكوم عليها الأخرى / .... كون الحكم قد صدر غيابياً بالنسبة لها ، وليس لها حق الطعن على الحكم بطريق النقض فلا يمتد إليها أثره ، وذلك دون حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن الأخرى المقدمة من الطاعن أو من النيابة العامة قبله.
ثامناً: عدم تعارض إعادة المحاكمة مع النصوص المستحدثة في قوانين المحاكم الاقتصادية والطعن بالنقض
... ولا يغير من القضاء بإعادة الحكم إلى هيئة أخرى غير التي أصدرته ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 12 من القانون رقم 120 لسنة 2008 بشأن إصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية من أنه : ( .... إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه حكمت في موضوع الدعوى .... ) أو أن يكون قد صدر بعد تعديل المادة ٣٩ من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المستبدلة بالقانون رقم ١١ لسنة ٢٠١٧ والتي تنص على أنه : ( .... وإذا كان الطعن مبنيًا على بطلان في الإجراءات أثر فيه تنقض المحكمة الحكم ، وتنظر موضوعه .... ) ، إذ إن شرط ذلك أن تكون محكمة الموضوع قد استنفذت ولايتها بالفصل في موضوع الدعوى .
لما كان ذلك ، وكان شرط اعتبار الحكم فاصلاً في موضوع الدعوى أن يكون قد صدر مستوفياً مقومات وجوده قانوناً ومن بينها صدوره من هيئة لها صلاحية الفصل في الدعوى ، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر من هيئة فقدت صلاحيتها لنظر الدعوى محظور عليها الفصل فيها ، فإنه يكون قد صدر باطلاً وهو بطلان جوهري متعلق بأصل وجوده لا مجرد عيب يشوبه ، متعلق بالنظام العام ينحدر به إلى حد الانعدام فلا يعتد به حكم فاصل في موضوع الدعوى ولا تستنفذ به محكمة الموضوع ولايتها في نظرها والفصل فيها.