بطلان العقد في ضوء أحكام محكمة النقض: الأسباب، الآثار، والإجراءات القانونية
أولًا:
مفهوم بطلان العقد في القانون
يقصد ببطلان العقد فقدانه لآثاره القانونية
نتيجة لعدم استيفائه أحد أركانه أو شروطه الأساسية. ويتميز البطلان عن الفسخ، حيث
إن البطلان يعني انعدام العقد منذ البداية، بينما الفسخ يُعد إنهاءً للعقد بسبب
إخلال أحد الأطراف بالتزاماته.
تنقسم حالات البطلان إلى نوعين رئيسيين:
1. البطلان
المطلق: يحدث عند تخلف أحد
أركان العقد الجوهرية مثل الرضا أو المحل أو السبب أو الشكلية (عند النص عليها
قانونًا).
2. البطلان النسبي: ينشأ عند وجود عيب في الإرادة مثل
الإكراه أو الغلط أو التدليس، أو عند نقص أهلية أحد المتعاقدين.
ثانيًا:
المبادئ التي أرستها محكمة النقض بشأن بطلان العقد
1. عدم مشروعية المحل أو السبب
أكدت محكمة النقض أن العقد يُعتبر باطلًا
بطلانًا مطلقًا إذا كان محله أو سببه غير مشروع أو مخالفًا للنظام العام والآداب.
ومن ذلك مثلًا العقود التي تتعلق بنشاط غير قانوني، حيث قررت المحكمة أن أي عقد
يستند إلى سبب غير مشروع لا يُعتد به قانونًا ولا يجوز المطالبة بتنفيذه.
2. مخالفة قواعد الشكلية في العقود الرسمية
في العقود التي يشترط القانون لإبرامها
شكلية معينة، مثل عقود البيع التي تتطلب التسجيل، قررت محكمة النقض أن عدم استيفاء
الشكلية يؤدي إلى البطلان المطلق، فلا يكون للعقد أي أثر قانوني.
3. انتفاء الأهلية وأثرها على صحة العقد
قضت محكمة النقض بأن العقود التي يبرمها
ناقصو الأهلية مثل القُصَّر أو المحجور عليهم، تكون قابلة للإبطال بناءً على طلب
الولي أو القيم، ولكنها تُعتبر صحيحة إذا أقرها القاصر بعد بلوغه سن الرشد.
4. العيوب التي تشوب الإرادة
أوضحت محكمة النقض أن العيوب التي تصيب
إرادة المتعاقد، مثل التدليس أو الغلط أو الإكراه، تؤدي إلى بطلان العقد بطلانًا
نسبيًا، ما لم يُقره الطرف المتضرر بعد زوال العيب. كما أكدت أن إثبات التدليس يجب
أن يكون قاطعًا ودالًا على أن أحد الأطراف تعرض لخداع جوهري دفعه إلى التعاقد.
5. العقود الصورية ومدى صحتها
قضت محكمة النقض بأن العقود الصورية تُعتبر
باطلة إذا ثبت أن الغرض منها هو التحايل على القانون، كما هو الحال في العقود التي
تهدف إلى إخفاء ملكية حقيقية لشخص آخر لتفادي التزامات قانونية.
6 أثر البطلان على المتعاقدين والغير
أكدت المحكمة أن بطلان العقد يستوجب إعادة
المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرامه، وإذا كان ذلك غير ممكن، يتم
التعويض المالي. كما قررت أن البطلان المطلق يمكن الدفع به من أي شخص له مصلحة،
بينما لا يجوز التمسك بالبطلان النسبي إلا لمن تقرر البطلان لمصلحته.
ثالثًا:
إجراءات الدفع بالبطلان أمام القضاء
يمكن الدفع ببطلان العقد بعدة طرق:
·
الدفع بالبطلان كوسيلة دفاعية في دعوى يرفعها أحد المتعاقدين أو الغير.
·
رفع دعوى مبتدأة تطلب الحكم بالبطلان وإعادة الأمور
إلى ما كانت عليه.
·
تمسك أي شخص ذي مصلحة بالبطلان المطلق في أي مرحلة من
مراحل التقاضي.
وتلتزم المحكمة عند نظر البطلان ببحث مدى
توفر أركان العقد وشروط صحته، وإذا تبين لها عدم استيفائه لمتطلبات القانون، فإنها
تحكم ببطلانه.
الخلاصة
إن أحكام محكمة النقض بشأن بطلان العقود
تسهم في تحقيق الاستقرار القانوني من خلال وضع ضوابط واضحة لحالات البطلان المطلق
والنسبي، بما يضمن حماية الحقوق المشروعة للمتعاقدين. لذا، يجب على الأفراد
والشركات توخي الحذر عند إبرام العقود والتأكد من استيفائها لكافة المتطلبات
القانونية، تجنبًا لأي نزاع قد يؤدي إلى بطلانها.