جريمة إساءة استعمال حق التقاضي
في التقرير التالي تلقي "دنيا المنوعات" علي جريمة اساءة استعمال حق التقاضي، حيث يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض "أشرف فؤاد" إن المستقر عليه فقهاً و قضاءً : لا يجوز لصاحب الحق أن يتعسف في استعمال حقه على نحو يلحق ضرراً بالغير، حيث أن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، فمالك العقار علي سبيل المثال له الحق أن يتصرف في ملكه كيف يشاء شريطة ألا يضر بجيرانه.
الحق في التقاضي مثل غيره من الحقوق ينبغي إستعماله بطريقة مشروعة خالية من التعسف.
فاستعمال الشخص لحقه في اللجوء إلى القضاء ليس مطلقاً، بل هو مقيد بألا يكون
استعماله لهذا الحق بطريقة غير مشروعة تلحق أضراراً بالغير، - كما يقول فقهاء
القانون - لأنه ممنوع من التعسف في إستعمال
أي حق من الحقوق التي تثبت له. فلا يجوز استخدام حق التقاضي بقصد الإساءة أو الكيد
أو مضايقة الخصم.
أكدت محكمة النقض المصرية في بعض أحكامها ضوابط إستعمال
حق التقاضي فجاءت في أحد أحكامها : "إن حق الإلجاء إلى القضاء وإن كان من
الحقوق العامة التي تثبت للكافة إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به
عما شرع له واستعماله كيدياً ابتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض
الأضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق). وقضت أيضاً في حكم آخر بأن
(حق الالتجاء إلى القضاء هو من الحقوق التي تثبت للكافة فلا يكون من استعمله
مسئولا عما ينشأ عن استعماله من ضرر للغير إلا إذا انحرف بهذا الحق عما وضع له
واستعمله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير".
كما قضت محكمة النقض المصرية في حكم آخرلها أنه
: "لما كان حق الالتجاء إلى القضاء مقيدا بوجود مصلحة جدية مشروعة فإذا تبين
أن المدعي مبطل في دعواه ولم يقصد بها إلا مضارة خصمه والنكاية به فإنه لا يكون قد
باشر حقاً مقرراً بمقتضى القانون بل يكون عمله خطأ يجوز الحكم عليه بالتعويض".
وقد
أجمع فقهاء القانون أن إساءة استعمال حق التقاضي لا تتوافر بمجرد خسارة الدعوى، وإنما
تتوافر عند رفع الدعوى بسوء نية، لا بغرض الوصول إلى حق متنازع فيه، بل يقصد الكيد
والنكاية والمكيدة والإضرار بالخصم.
الضمانات الواقعية و الضمانات القانونية للحقوق والحريات
هناك ضمانات حقيقية للحقوق والحريات ، بعضها ضمانات واقعية : تنصرف إلى تغير الواقع الفعلي إلى الأفضل بما يؤدى إلى أن يستطيع الأفراد التمتع بحقوقهم وحرياتهم، ومنها تحسين وزيادة الإنتاج، وتوفير حد أدنى من اليسر، وحد أدنى من أوقات الفراغ، وقدر وافر من الثقافة، الخ .
والبعض الأخر، ضمانات قانونية : الفصل بين
السلطات والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفوق هذا وذاك
يأتي استقلال السلطة القضائية.
لا جدال فى أن حق الأفراد فى التقاضي حق أصيل
ويعد عماد الحريات جميعا، إذ بدونه يستحيل عليهم أن يأمنوا على تلك الحريات أو
يردوا الاعتداء عليها، ونظام الحكم لا يمكن أن يعتبر ديمقراطيا إلا إذا كفل
للأفراد حق الالتجاء إلى القضاء. وحاجة الأفراد إلى هذا الحق هي حاجة مستمرة ومتزايدة
خاصة بعد ازدياد دور الدولة وازدياد تدخلها. وتدخل الدولة فى شئون الأفراد- وأن
استهدف صالحهم- قد يكون مصحوبا بإجراءات استثنائية أو مساس بحقوق أساسية أو مغالاة
فى التكاليف أو انحراف بالسلطة أو شطط فى التقدير أو إضعاف للضمانات المقررة، ومن
ثم يجب أن يبقى باب القضاء مفتوحا أمام الأفراد ليعرضوا عليه أمرهم ويطلبوا إليه
إنصافهم من ظلم يعتقدون وقوعه عليهم. ولا جدال فى أن كفالة حق الأفراد فى التقاضي
يبعث فى نفوسهم الرضا والإحساس بالاطمئنان والإيمان بالعدل، وإن حرمانهم من هذا
الحق يبعث فى نفوسهم الاستياء والإحساس بالقلق والشعور بالظلم. فكفالة حق التقاضي
أمر لا غنى عنه وضرورة يلزم توفيرها جنبا إلى جنب مع تزايد نشاط الدولة المتدخل فى
شئون الأفراد وكفالة هذا الحق فى دولة ما دليل على استجابة نظام الحكم فيها لرغبات
المحكومين ولمقومات حياة دستورية وشرعية.
إن المادة 4 من القانون المدني المصري قررت : من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون
مسئولا عما ينشا عن ذلك من ضرر.
كما أكدت المادة 5 من القانون المدني المصري أن يكون
إستعمال الحق غير المشروع في الأحوال الآتية:
ا - إذا لم يقصد به إلا الإضرار بالغير.
ب
- إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع
ما يصيب الغير من ضرر يسببها.
ج
- إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة. مشروعاً لا يكون مسئولاً
عما ينشأ عن ذلك من ضرر- باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ
وأنه لا خطا فى استعمال صاحب الحق لحقه فى جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها له
هذا الحق وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك
الأصل.
المادة 5 من القانون المدني المصري حددت حالته على سبيل الحصر وكان يبين من إستقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو "نيه الإضرار" سواء على نحو إيجابي بتعمد السير إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالإستهانه المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو إلى الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار المدى وكان من المقرر أن كعيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة فى تلك الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب.
(
المواد 4, 5, 163 مدني ) ( الطعن رقم 2845 لسنة 59 ق جلسة 23 /11/ 1995 س 46 ج2 ص
1219).
ممارسة حق اللجوء إلى القضاء ينظمها القانون ويرعاها الدستور
ولما
كان اللجوء إلى القضاء حقاً مشروطاً بأن يكون اللجوء للقضاء بغية حق مشروع وإلا
يكون فيه انحراف بغية الأضرار بالخصم فيلتزم حينها بتعويض من أصابه الضرر نتيجة
ذلك استناداً إلى أحكام المادة 163 من القانون المدني.
إن
حق اللجوء إلى القضاء هو حق مكفول بموجب الدستور، فالمحاكم مفتوحة للجميع، ومن
خلالها يسعى المواطنون للحصول على حقوقهم وحمايتها , وممارسة هذه الحق ينظمها
القانون، إن كون المحاكم مفتوحة للجميع لا يعني اللجوء إليها دون قيد أو شرط أو في
أي وقت، وإنما يحدد القانون متطلبات وشروط وإجراءات شرعية لممارسة هذا الحق.
فالقانون عندما ينظم حق اللجوء إلى المحاكم يلحظ عدة اعتبارات منها عدم إشغال مرفق
القضاء بقضايا ليست ذات أهمية، والحرص على أن يكون من يلجأ إلى القضاء جاداً وليس
عابثاً، وأن لا يكون اللجوء بقصد الكيد أو المناكفة أو الإضرار بالغير.
وسنستعرض لكم عدة نماذج للتعسف في استعمال حق التقاضي
1-
رفع دوي المطالبة بالدين قبل الآوان : حيث يعد متعسفاً في استعمال حق التقاضي من
يرفع دعوى قبل أوانها مثل الدعوى التي يرفعها الدائن ضد المدين قبل موعد استحقاق
الدين.
2-
رفع دعوي قضائية أمام محكمة غير مختصة محلياً: إذ يعد متعسفاً في استعمال حق
التقاضي الشخص الذي يرفع دعواه أمام محكمة غير مختصة مكانياً، وهو يعرف ذلك، بقصد
أن يتجشم المدعى عليه متاعب ومصاريف الانتقال والسفر.
3-
رفع دعوي قضائية أمام محكمة غير مختصة نوعياً: حيث يعد متعسفاً في إستعمال حق
التقاضي من يرفع دعوى أمام محكمة غير مختصة إختصاصاً نوعياً، وهو يعرف ذلك، بقصد
الكيد والمكيدة لخصمه وإرهاقه نفسياً.
4-
التماس بإعادة النظر في حكم نهائي: حيث يعد متعسفاً في إستعمال حق التقاضي من يتقدم
بإلتماساً بإعادة النظر في حكم نهائي في غير الحالات المحددة على سبيل الحصر في
نظام المرافعات الشرعية.
5-
دعوى للمطالبة بحق متصالح فيه : إذ يعد متعسفاً في استعمال حق التقاضي كل شخص أقام
دعوى للمطالبة بحق سبق وأن تصالح بشأنه مع المدعى عليه صلحاً صحيحاً ولم يبغي من
دعواه سوى الإدعاء بالباطل والمكيدة والنكاية بالمدعى عليه.
7-
اللجؤ الي القضاء رغم الاتفاق علي التحكيم في حل النزاع: حيث يعد المدعي متعسفاً في
استعمال حق التقاضي إذا رفع دعوى أمام القضاء للمطالبة بالفصل في خلاف ناشئ عن
تنفيذ أو تفسير عقد يتضمن اتفاق المتعاقدين على إحالة خلافاتهما الناشئة عن هذا
العقد إلى التحكيم.
9-
كما يعد المدعي متعسفاً في استعمال حق التقاضي من قام بتبليغ المدعى عليه بالدعوى
في وقت غير مسموح به نظاماً ودون إذن كتابي من القاضي، لأن المادة (13) من نظام
المرافعات الشرعية تقرر بأنه (لا يجوز إجراء أي تبليغ أو تنفيذ في محل الإقامة قبل
شروق الشمس ولا بعد غروبها ولا في أيام العطل الرسمية إلا في حالات الضرورة وبإذن
كتابي من القاضي).
خلاصة و صفوة القول
حق
التقاضي ليس حقاً مطلقاً بل هو مقيد بتحقيق مصلحة جدية ومشروعة فلا يجوز إستعماله
بهدف مضايقة الخصم والمكيدة والنكاية به أو الإساءة إلى سمعته، ولا يكفي في تقديري
للحد من ظاهرة الدعاوى الكيدية والباطلة تحميل من ثبت تعسفه بجميع أتعاب المحاماة
ونفقات الدعوى التي تحملها خصمه فحسب بل يتعين إلزامه أيضاً بأن يعوض خصمه تعويضاً
عادلاً عن الأضرار المادية والمعنوية الأخرى التي تكون قد لحقت بالخصم مثل التشهير
وإساءة السمعة.